تسمية الربيع العربي جاءت استلهاما لربيع براغ عام 1968.
وادرجت في القواميس والمعاجم الإعلامية والسياسية، وأصبحت إشارة لكل احتجاج واعتصام وثورة شعبية.
في الربيع العربي انقسم واختلف فقهاء السياسة، فمن انشطر وقسم ربيع العرب الجديد، ومن رفض تسميته بالربيع، وذهب الى وصفه بالخريف العربي.
وما بين المنقسمين على تسمية الربيع العربي، وهناك من اسماه الربيع الاخواني، والربيع البرتقالي الامريكي، واستلهاما للثورات البرتقالية في دول الاتحاد السوفتيتي سابقا وأوروبا الشرقية.
خريف العرب وصل عندما احتلت امريكا العراق، وسقطت بغداد، ومن بعد سقوطها جاءت موجة سقوط المدن العربية الكبرى، والحواضن العربية الحضارية و التاريخية، من بغداد الى دمشق والقاهرة وتونس، والجزائر.
و الخريف عصف بالجزائر مبكرا، وفي عام 1990غرقت الجزائر بعشرية الدم، وبعدما فاز الاسلاميون في الانتخابات البرلمانية، واعلنوا سيطرتهم على السلطة، استفحل الارهاب الديني المتطرف بالجزائر.
العرب حلموا بربيع من شدة غرقهم في الظلام والسواد، ولانهم محرومون من الاحلام البيضاء والوردية، فجاء شعورهم الباطني بالبحث عن حلم ربيعي يزهو بالتغيير والاصلاح والتقدم.
و لكن، هل كان ربيع العرب مزهرا ؟ انه فصل حمل كل الالام والاوجاع والكوابيس، والجنائز وتوابيت الموتى ، وصنع الفوضى، ودمر الاوطان وشردت الشعوب، فصل قاتل ودامٍ، وانه اشد هتكا في البلاد العربية من ايام الاحتلال التركي والبريطاني والفرنسي، والإيطالي.
الربيع جاء خريفا، والصيف شتاء، انه انقلاب الطبيعة، وعندما تتحول الفصول وتنقلب، وعندما تثور الطبيعة والمواسم.. انها السياسة عندما تقاوم المناخ والطبيعة والمواسم، وهذا موضوع اخر.
نكذب على بعض كثيرا، ونكذب كثيرا، ونصدق الكذب، ونصدق ان اصداء اعلام مشبوهة كانت تصدح من اجل الحرية والكرامة، والحكم الرشيد.
وكم لفقوا ومارسوا الدجل باسم الشعوب التي شردت وقتلت وهجرت قسرا، وباسم الثورة والاصلاح والربيع القادم والزاهي خرج العرب من السياق الطبيعي للفصول وربيعهم صار خريفا.
العرب خرجوا من لعبة الامم والتاريخ، مجرد هوامش بشرية اجتماعية للاستهلاك فقط.. وبلدان تحولت الى ساحات خلفية للصراعات الدولية، ساحات لحروب بالوكالة.. فماذا تنتظر من شعوب عربية افواهها فارغة ومعدها جوفاء، وقلوبها عطشى ؟ فهل هي مؤهلة ومهيئة للمطالبة بالحرية والديمقراطية ؟
الجملة السياسية العربية عارية، و افلست مفرداتها، والفواصل والنقاط سقطت،و حذفت.. وعربيا اليوم ما اصعب انتاج وتشكيل جملة عربية قويمة. ولحد الان ازمتنا العربية بالوعي، وتطوير الاذهان والعقول، وهذا يسمى الاستبصار والاستشراف، وهذا ما يفقده العرب.
مناخنا تبدل ومواسمنا الطبيعية ضربت من ربيع وخريف... وجغرافيا العرب قيد الترقيع والتقطيع ..و لمن بيشرون بربيع عربي جديد، وفانصحهم اولا ان يتابعوا النشرة الجوية وماذا يقول الراصدون الجويون عن اخبار الطقس قبل السياسة !؟ فلا تصدقوا كل ما تسمعون. فالعرب دخلوا في فصلهم الخامس، وهو النهائي في معادلة التاريخ والطبيعة والكون، والوجود .
(الدستور)