منذ إعلان خارطة طريق تطوير القطاع العام, انشغل خبراء في مناقشتها دون تحديد اطار مرجعي للنقاش وللحوار, مما حمّل خارطة الطريق اكثر مما تحتمل, ولوهلة أحس كثيرون بانها ليست خارطة طريق بل قرار حكومي نافذ, فيما أحست قلّة ممن قرأت الخارطة بعين شمولية وبأنها وصفة مستقبلية, ولا تخضع للقياس بالقائم او الماضي, بأن الخطة بلا أب, وهو احساس تكسر امس في قاعة المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي جمع محامي الدفاع عن الخارطة من حيث منهجية وعقلانية الاعداد والتجهيز, وزير التخطيط والتعاون الدولي ناصر الشريدة, مع مجموعة من الخبراء امثلة لكل القطاعات النوعية الموجودة, وزراء سابقين, وممثلين عن العمال والصناعات والاعلام.
خارطة تطوير القطاع العام, تخضع الآن لعملية نقاش عميقة, على مستوى المملكة بكاملها, حيث بدأت النقاشات في العاصمة وستنتقل الى باقي المحافظات كما قال الدكتور موسى اشتيوي رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي, الذي اعاد جريان الدماء في اوصال المجلس, بتصديه لحوار وطني عام حول ابرز مرتكز من مرتكزات ثالوث النهضة الشامل في المئوية الثانية, التي اطلق مفاعيلها الملك عبدالله الثاني والتقط تنفيذها بذكاء رئيس الوزراء بشر الخصاونة, الذي يتحرك في فضاءات مثلث النهضة برشاد واتزان, دون اسهال واستسهال في الوعود والنتائج, فالمثلث متوازي الاضلاع حسب علم الرياضيات والادارة العامة.
ربما طغت اليوم الاسئلة المنهجية والتأسيس النظري في مناقشة خارطة الطريق, دون الدخول في التفاصيل والجزئيات وهذه نقطة في غاية الاهمية قبل الشروع بالغوص في التفاصيل, وكان الشريدة محامي دفاع ماهراً, في التأسيس النظري لتوضيح فلسفة عدم النقاش القبلي لخارطة الطريق, فالرجل يبني رؤيته على ان الرأي الذي استقر في مجلس الوزراء كان وضع خارطة الطريق ثم الشروع في نقاشها, اي انها ليست قرارا وليست قدرا, ونجح اصحاب هذا الرأي حسب اعتقادي, فالاصل ان تتوافر قاعدة للحوار, حتى يكون منهجيا وليس افتراضيا او مشاعا, وهذه نقطة تسجل للحكومة ورئيسها, بأن يعرض خارطة طريق قابلة للنقد والتصويب قبل الولوج في معضلة التنفيذ, التي اسهمت سابقا في اجهاض مشاريع تطوير, فلا يعقل للعقل القائم ان يحمل بذور فنائه, والخارطة في جوهرها نقلة نوعية, ستحظى بدعم كل راغب في التطوير وتحسين الاداء وستحظى بحرب ضروس ممن استسهل الوظيفة العامة ونام على مكاتبها.
النقطة الثانية التي تستحق التوقف عندها, ان هذه الخارطة, تحاكي المستقبل, وبالتالي النظر لها بعين جزئية, بمعنى على مستوى الوزارة واللافتة, لن يكون منتجا ولن يحقق غاية, فهي تتحدث عن قطاعات, وليس عن لافتات اعتادت العين رؤيتها, كما انها تتحدث عن مهام وطرق عمل وليس عن تسميات اعتدنا عليها, ولذلك يجب مناقشتها وفق هذا المنهج وبصرامة مهنية واكاديمية وبمحاكاة على غرار المحاكاة التي تخلقها الثورة الصناعية الرابعة, فترشيق الاداء والتعداد ايضا, مطلب شعبي وسياسي طويل الامد وتكرر في كل تشكيل حكومي, تحديدا بعد ولادة المؤسسات المستقلة, ومنح بعضها صلاحيات واسعة, كان الواجب الغاء الوزارة بدل وجود رأسين لمهمة واحدة, وبدل شيطنة تجربة الهيئات المستقلة كلها, بدل ان نمايز بين الهيئة المستقلة المطلوبة مثل البنك المركزي, والمؤسسة التي تمت صناعتها على عجل لارضاء نسيب او حسيب.
النقطة الاخيرة التي يجب الوقوف عندها, هي مواءمة خارطة طريق تحديث القطاع العام مع مخرجات الرؤية الاقتصادية, التي دارت رحى اجتماعاتها في المقر السامي, واظن من القراءة العرضية وليست العامودية, بأن خارطة الطريق نجحت في تحقيق المواءمة وفقا لنظرية المستقبل ومتطلباته وليس وفق النظرية الكلاسيكية القائمة والتي تطالب بالاسم اكثر من مطالبتها بالجدوى والانجاز, قاطرة الحوار انطلقت واظن لست آثما ان الحوار سيحقق نتائجه المأمولة وسينعكس على تجويد خارطة الطريق.
(الراي)