أحنُّ الى جبل «اللويبدة»، الذي أشعر أنني «مدين» له بفرحي وحماقاتي ونزواتي وبداياتي الثقافية والأدبية والصحفية.
حيث كانت «اولى» خطواتي لدخول العاصمة من مدينة "الرصيفة" 20 كيلو عن عمّان، عبر «رابطة الكتاب» في «شارع ابراهيم طوقان» المقر الأسبق للرابطة.
كنتُ، فتى طامحا وطامعا، ومُشتاقا، لعالم الكُتّاب والمثقفين. وكانت «رابطة الكتاب»، عنواني الجديد بعدما انهيت الدراسة الجامعية.
مكثتُ عامين بلا عمل، وكنتُ اكتب النصوص والقصص واطلع الأساتذة ممن سبقوني الى الكتابة القصصية مثل الاستاذ محمود شقير والمرحوم مؤنس الرزاز وخليل السواحري وغيرهم. واذكر أول أمسية قصصية أقامتها لي «الرابطة» برفقة الصديقة القاصة سامية عطعوط والصديق الفنان غنام غنام.
وكانت بداية هوَسي بشوارع «جبل اللويبدة» الذي كنتُ «أتسنكح» بها واقضي معظم نهاري وبعض المساءات قبل ان اعود الى «الرصيفة» للنوم وللنوم فقط.
كان «جبل اللويبدة» كل عالمي. وكان «مطعم ابو محجوب» اهم ملاذ لنا لسد الجوع، من خلال سندويشاته اللذيذة.
كما كانت اولى نصوصي في «جبل اللويبدة» وقد جمعتُها في كتاب بعنوان «نصوص الشوارع».
وبعد حادثة "عمارة اللويبدة" التي باتت تنافس في شهرتها فيلم "عمارة يعقوبيان" للفنان عادل إمام، مع الفارق في الأحداث.. ذهبتُ امس للمرة الثانية خلال اسبوع ومن باب "الحنين" الى "الجبل الجريح" / اللويبدة..
كنتُ كمن يريد تفقد حبيبة "تعرضت لجراح عميقة"..
سرتُ بين أشجار الياسمين المتدلية اغصانها فوق الاسوار الواطئة والتي طالما تناولت منها "وردات" لنساء كنّ يشاركنني "جنوني".
ثمّة حميمية تربطني فيه. هدوء وتراث قديم وبيوت لها ذكريات وياسمين هنا وهناك. واطلالات على «جبل عمّان» و«وسط البلد» و«جبل الحسين». والعديد من الهيئات الثقافية والفنية.
وربما ساعد قرب «اللويبدة» من وسط البلد باختياري اول بيت استأجرته، بجانب مطعم ابو محجوب، لفترة قصيرة، قبل ان أتزوج، ويومها قال لي صاحب الشقّة،: كل اللي بستأجروا هذا البيت، بيخطبوا وبتزوجوا.
وخلال اقل من ثلاثة شهور، كنتُ قد اعلنتُ خطبتي ومن ثَمّ زواجي.
انا زوجتي وعائلتي نحب «جبل اللويبدة» والموضوع في الجينات والوراثة. ويكفي أنني تعرفتُ على اعزّ الاصدقاء المرحوم الروائي مؤنس الرزاز الذي كنتُ ازوره في بيته عند حديقة اللويبدة كل اسبوع، واستمتع بصحبته واحاديثه، وكان مؤنس صندوقي الأبيض الذي أستأمنه على أسراري وكان يقدم لي النصيحة بمحبة خالصة.
تاملتُ المقاهي التي عادت إليها الحياة بعد أيام الخوف..
اسعدني مَنظَر الزبائن وقد عادوا إلى مقاعدهم القديمة..
كان ثمة لوحات وضجيج وسيارات تمنح الشوارع الضيّقة "دفء الأمكنة".
كنتُ انظر جهة "ساحة باريس او دوّار الحاووز" كما اسمه، وتخفيف "سحابة حزن" على الراحلين في العمارة القريبة.
..
ولهذا كان «اللويبدة»، بالنسبة لي، جبل «الحنين».. وأيُّ حنين .!!.