عمارة اللويبدة وحكايات الحب والفقد
شروق طومار
19-09-2022 10:49 AM
في بيوت عزاء ذوي الضحايا استمعت إلى التفاصيل الصغيرة من الحكايات التي لم ترو.
ذهبت بالأمس إلى عزاء عبير وحامد وروز.
أذهلني صبرهم وأدهشتني رباطة جأشهم وتوازنهم.
عبير التي فقدت جميع أبنائها بعد أن فقدت زوجها قبل نحو عام.. كافحت ببسالة ومحبة طارقة كل باب عمل شريف بلا هوادة لتأمين احتياجات بيتها وأبنائها بعد وفاة والدهم، حدثتني عن تميز ابنها حمودة بأخلاقه العالية وفي دراسته وعن استعداداته لدخول التوجيهي لتحقيق حلم أمه بالحصول على الدرجات العليا، وأذابت قلبي وهي تقبل صوره وصور ابنتيها أميرة وملاك بالفساتين الجديدة التي اشترتها لهما قبل أيام من الحادثة لحضور مناسبة عائلية.
حامد الذي فقد ابنتيه سهيلة وجنى وزوجته التي ظلت تحت الأنقاض حتى آخر لحظات التنقيب ولحقت بابنتيها.. يحكي عنهن بهدوء والابتسامة لا تفارق وجهه، يتحدث عن زوجته بمحبة واحترام لا مثيل لهما، وجدها عناصر الإنقاذ قرب المغسلة وقد بدا على هيئتها أنها كانت تتوضأ وكان أذان العصر رُفع قبل دقائق من الحادثة.
وعن سهيلة ابنته الشهيدة يسهب في الحديث والوصف ويستذكر طبخة الكبسة التي أعدتها خصيصا له قبل أيام فقال لها "من اليوم ورايح الكبسة تخصصك".
أما عمر ابنه الناجي من الفاجعة؛ فثباته وبريق عينيه وضحكته التي يستدعيها بصعوبة واضحة وسط هذا الحزن والوجع قصة أخرى. حضنته ثم حضنته وحضنته مرة أخرى.. تماما كأنني احضن ابني محمد.
روز التي انتشرت صور زوجها الجالس على الأنقاض بانتظار ابنته ذات العام وشهرين. فقدت في الفاجعة أربعة من أحبتها؛ ابنتها الرضيعة وأمها وأخيها وابنة اختها..
روز كانت تسكن مع أمها في البيت المجاور الذي انهارت عليه العمارة. كانت شديدة الارتباط بوالدتها فهي التي ظلت ملازمة لها بعد زواج أخوتها وحتى بعد زواجها وهي التي ربت ابنة اختها الشهيدة راما التي كانت تستعد لآخر امتحانات جامعتها للتخرج.
عندما اقتربت من روز للسلام عليها وكانت هي أول من زرتها أمس، شعرت بهيبة كبيرة من الموقف. ارتبكت، تلعثمت وأنا أحاول استدعاء عبارات العزاء، وغلبتني دموعي، فما كان من روز إلا أن ابتسمت بحزن وبدأت تربت على كتفي وتقول "جيتكم عنا بتسوى الدنيا.. الحمد لله".
راقبتها وهي تستقبل المعزين فوجدتها تتفاعل معهم بنفس هذا الهدوء.. تقوم هي بمواساة الذين جاؤوا لمواساتها!