ينتابني شعور قوي أن عدداً كبيراً من السياسيين لدينا في الأردن سيعتقدون أن المقال يتحدث عن شخوصهم في حين أن الحقيقة هي غير ذلك، فهذا المقال يتحدث عن الانتهازية بصورة عامة ويسلط الضوء على الانتهازية في أعرق دولة ديمقراطية في العالم ألا وهي المملكة المتحدة التي ودعت ملكتها المخضرمة اليزابيث الثانية ونادت بملك جديد هو شارلز الثالث في وقت قريب من سقوط بوريس جونسون رئيس الوزراء السابق وتكليف صاحبة «القدم الخضراء» على (10 داوننغ ستريت) ليز تراس رئيسة الوزراء الجديدة، ليز تراس ليست سياسية عتيقة ولا هي شخصية ذات حضور طاغٍ في الحياة السياسية في بلد «يصنع دهاقنة السياسة»، بل هي طارئة على الحياة العامة وكانت عضويتها في مجلس العموم عن جنوب غرب نورفوك أولى خطواتها لدخول معترك السياسة حيث فازت فوزاً سهلاً عن «المقعد الآمن» والمضمون لحزب المحافظين، ولولا السقوط المدوي لبوريس جونسون الذي كانت تتملق له لما وجدت فرصتها في ترؤس حكومة المملكة المتحدة بخبرتها المتواضعة وشخصيتها المتقلبة، وأعتقد أنها إلى اللحظة لا تصدق أنها نالت هذا الموقع المهم وذلك بعد مشوار متعثر في عالم السياسة، فقد ترشحت عن حزب المحافظين في الانتخابات العامة لعام 2001، وخسرت، ثم ترشحت مرة اخرى عام 2005 وخسرت، ولولا أن ديفيد كاميرون وضعها على قائمة حزب المحافظين عن المقعد السهل والمضمون عام 2010 «جنوب غرب نورفوك» لما نجحت ولربما قررت الابتعاد نهائياً عن معترك السياسة واستمرت تعمل في القطاع الخاص.
تملك ليزا تراس إرادة صلبة وطموحاً عنيداً، فمنذ الصغر كانت تحلم أن تكون «المرأة الحديدية مارغريت تاتشر».
تقول الصحف البريطانية ان تراس وفي سن السابعة لعبت دور تاتشر في واحدة من المسرحيات بالمدرسة وفي تلك المسرحية حسبما ذكرت تراس عام 2018 في واحد من اللقاءات الصحفية أنها وبعد خطاب عاطفي وجهته للناخبين المفترضين في المسرحية لم تحصل على أي صوت بل وزادت قائلة إنها (لم تصوت لنفسها)، البنية الفكرية والنفسية لتراس كانت معقدة ومتناقضة إلى حد كبير حيث تربت في بيت يساري التوجهات، وعبرت عن ذلك مبكراً وانضمت في عام 1994 لحزب الديمقراطيين الأحرار وكان عمرها وقتذاك 20 عاماً، وفي المؤتمر العام للحزب في مدينة برايتون ألقت خطاباً وجهت خلاله نقداً لاذعاً وعنيفاً لنظام الحكم الملكي وقالت (.. نحن الديمقراطيون الأحرار نؤمن بتساوي الفرص للجميع، لا نؤمن بأن هناك أشخاصا ولدوا ليحكموا)، وبعد هذا الخطاب بأشهر قليلة انتقلت ليزا تراس إلى حزب المحافظين الذي يملك توجهات سياسية مناقضة تماماً لفحوى توجهات حزبها السابق ويرفض رأيها بشأن الملكية، وبتعبيرنا الدارج (نقلت البندقية من كتف الى كتف)، وفي تبرير لما ذهبت اليه بشأن الغاء الملكية قالت في تصريحات لها مؤخراً (... أعتقد أنه من العدل أن أقول إنه عندما كنت في شبابي كنت محترفة في إثارة الجدل وأحب استكشاف الأفكار وإثارة الأمور و«تأثرت بنشأتي في عائلة يسارية، لكن مع الوقت بدأت أفهم المزيد عن سبب نجاح بريطانيا وجزء من نجاحنا هو الملكية الدستورية التي تدعم الديمقراطية الحرة»).
يعلق «نيل فوسيت» عضو الحزب الذي قاد حملة انتخابية مع تراس في التسعينيات، لشبكة «سي إن إن» الأميركية (أعتقد بصدق أنها كانت تلعب حسب الجمهور في ذلك الوقت، سواء كانت تتحدث عن إلغاء تجريم المخدرات أو إلغاء النظام الملكي، أعتقد أنها شخص يلعب حسب الجمهور ولا أعرف حقاً ما إذا كانت تصدق أي شيء تقوله، في ذلك الوقت أو حتى الآن).
(الراي)