بداية لابد من إبداء الشكر والعرفان لرجال الأمن العام والدفاع المدني والدرك على الجهود الجبارة التي بذلوها في تعاملهم مع ارتدادات انهيار عمارة اللويبدة، التي أظهرت أن لدينا جهاز أمن عام بكل تفرعاته مدعاة للفخر الوطني.
قدر اللواء عبيد المعايطة أنه في أول يوم له على كرسي مدير الأمن العام أن تقع حادثة اللويبدة بكل مآسيها ونتائجها المفجعة، ولكن الرجل قاد المهمة وعمل ورفاقه بكل حرفية ومهنية.
أردت هذه المقدمة قبل أن أضع بعض الملاحظات أمام اللواء المعايطة المتعلقة بجهاز الأمن، والتي حسب اعتقادي لها من الأهمية بمكان.
وللتوضيح أن هذا الجهاز جهة تنفيذ القانون، وهو الذي يتحمل أن يكون في الواجهة مع عموم المواطنين، لتنفيذ القانون، وكثيرا ما يتحمل تقصير جهات عديدة في أداء واجباتها وهذه إشارة تغيب في كثير من الأحيان عن البعض ويحملون الأمن العام وزر الأخطاء التي تقع.
خذ مثلا قصة التعميم على المطلوبين، فكثير من الناس يحملون الأمن العام مسؤولية توقيفهم بالخطأ أحيانا، سواء على المنافذ الحدودية أو على الطرقات الداخلية ويغيب عنهم أن هذا الجهاز ينفذ بالأصل طلب الجهات المختصة ، خصوصا عندما يتبين أن الطلب لا يستدعي التوقيف وهذا أمر حدث كثيرا ، فيحمل المواطن وزر الخطأ لرجال الأمن ، وللإنصاف يجب أن نوضح أن الأمن العام لا تعرف كوادره سبب الطلب ، فقط يصلهم الإسم من الجهة المختصة ومطلوب منه أن ينفذ ، وهذه قصة يجب أن يعاد النظر بها فهي في كثير من الحالات تتسبب بمشاكل عديدة بين رجال الأمن والمواطنين ، لأن رجل الأمن عندما يوقف أحد المعمم عليهم لا يمكن له أن يتركه حسب القانون .
والمشكلة أن كثيرا من هذه الطلبات تكون كما أشرت لا تستدعي التوقيف ويجب إعادة النظر بهذه الآلية ، فكل الأردنيين عناوينهم معروفه وكذلك أرقام هواتفهم وبات الإتصال وتحديد المواقع سهلا في زمن انفجار وتطور تكنولوجيا الإتصال .
أما بالنسبة لأولئك المطلوبين الخطيرين سواء المجرمين أو المطلوبين لمبالغ ضخمة فإنهم يتقنون التخفي والابتعاد عن نقاط الشرطة ، فالمجرم لا يمكن أن يسلك طريقا عاما يعلم أن رجال الأمن متواجدون به ، وقد رأينا عشرات العمليات الناجحة التي قام بها جهاز الأمن للإيقاع بالمجرمين الخطيرين في أماكن تواريهم .
يجب أن يلقي جهاز الأمن العام هذه المسؤولية عن كاهله ولا تبقى بالمجمل ، والبدء فورا العمل مع الجهات المختصة والشريكة بالبحث عن طريقة حديثة وذكية للتعامل مع هذه القضية حتى يتم تلافي أي احتكاك بين رجال الأمن والمواطن دون مبرر ، والاستمرار في تحميل المسؤولية للأمن العام في حالة وقوع خطأ ،واكتفاء الجهاز بمسؤولية إلقاء القبض على المجرمين العتاه ، وأذكر أن جلالة الملك عبدالله الثاني وقد سمعته أكثر من مرة مباشرة وجه للعمل على أتمتة جهاز الأمن العام ، والإعتماد على الأجهزة المتطورة خصوصا بعلاقته مع المواطنين حتى يبقى رجال الجهاز محصنين من أي احتكاك مع الناس ، وللإنصاف أن الأمن العام قطع شوطا جيدا في هذا الجانب ولكن تبقى خطوات لابد منها.
أما عن قصة الأزمة المرورية التي تجتاح عمان والمدن الرئيسية مثل إربد والزرقاء ، والتي أشار لها الملك في رسالته للواء المعايطه، فإن إدارات المرور في الأمن العام تتحمل أخطاء الغير ، كسوء تخطيط المرور في أمانة عمان والبلديات الكبرى ، وللأسف هنا أيضا يحمل معظم المواطنين المسؤولية لرجال المرور ولا يعلمون أن هؤلاء ينفذون خططا وضعتها جهات في أمانة عمان ، وشاعت نتيجة هذه الصورة الخاطئة أنه أينما وجد رجال المرور وجد الإزدحام المروري ، وهذا بحق ظلم كبير ، فإدارة المرور بالجهاز تتعامل مع طرقات وتقاطعات وميادين خططت في أمانة عمان .
هناك أخطاء مرورية قاتلة في عمان وإربد والزرقاء تتغاضى عنها الأمانة والبلديات الكبرى ، أرى أنه بات من الضروري أن تتدخل إدارات المرور في الأمن العام تدخلا فعليا في التخطيط بعيدا عن اللجان المشتركة التي في كثير من الأحيان تثبت فشلها .
مناطق كثيرة في عمان توضح سوء التخطيط في الأمانة وعشوائيته وأحيانا تسيء لوجه عمان ، فمثلا وليس على سبيل الحصر المنطقة المحاذية للمستشفى التخصصي في الشميساني ، التي ملأتها الأمانة بالكتل الإسمنتية وأجرت تحويلات مرورية أوجدت أزمات خانقة في الشوارع الخلفية للمنطقة ، ناهيك عن شارع المدينة المنورة ، الذي يعاني من أزمة مرورية مزمنة واللوم في ذلك يقع أيضا على أمانة عمان ، إذ رخصت لما يقارب أربعين مطعما في مسافة طولية لا تتعدى ٤٠٠ متر ، ولك أن تتخيل وجود العدد الكبير من المطاعم في مسافة قصيرة ، ما هو حجم الأزمة المرورية التي ستخلق في هكذا موقع ، وأمثلة كثيرة تشهد على سوء التخطيط المروري في عمان .
والأخطر من ذلك أن أمانة عمان في السنوات الماضية تغاضت عن وجود كراجات في البنايات التجارية وأحيانا السكنية مقابل غرامة مالية، كما أشرت الأمثلة كثيرة على سوء التخطيط سواء في الأمانة أو في إربد والزرقاء ولكن المقام لا يسمح للتوسع ، لذلك أعتقد أن الأمن العام يجب أن يكون صاحب قرار فعلي في التخطيط المروري وبالأخص في عمان التي باتت ترزح تحت ظل أزمة مرورية عميقة ومعقدة .
أردت مما سبق أن أضع بين يدي مدير الأمن العام الجديد اللواء عبيد المعايطة بعض الملاحظات السريعة ، وهو ابن الجهاز فعليا ومن حق الجهاز عليه أن يوضح للناس أن جهاز الأمن لا يعمل لوحده ، فمعه شركاء متعددون ، في كثير من الأحيان يكون سوء تخطيطهم والإهمال في عملهم وزرا على الأمن العام ، أما في الإتجاه الآخر فلابد من الإشارة أن رجال الجهاز ليسوا كلهم على نفس السوية في فهم واجباتهم وطبيعة التعامل مع الناس ، وهؤلاء بحاجة إلى إعادة تأهيل وتدريب، وأعتقد أن الباشا يعلم جيدا ما هو مطلوب في هذا الإتجاه ويظل الأمن العام مع الجيش والمخابرات العامة هم أثقال الدفاع المدني وأعمدة سياج الوطن .