تعرف سمرقند انها قلعة الارض ومكان سر الحياة الذي اخفاه الإسكندر الكبير، وهي مدينة اوزبكية لها تاريخ عميق في الحضارة الاسلامية، فهي كما كانت عاصمة في عهد الدولة العباسية لبلاد ما وراء النهرين ها هي تعود لتشكل حاضرة جامعة لالتئام قمة شنغهاي الشرقية او الاورو -آسياوية، وهي القمة التي تجمع التيار الشرقي من العالم بقيادة روسيا والصين اضافة للدولة المضيفة كازخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتم قبول عضوية ايران بدعم من القطبين الروسي والصيني، لكن ما يثير الاهتمام في سمرقند التواجد التركي والمصري والقطري هناك .
تنعقد قمة شنغهاي في سمرقند وسط اجواء من الترقب كونها تجمع الرئيس بوتن والرئيس الصيني شي جين بينغ لما يحمل لقاءهما من اهمية وعمق تاثير ينعكس على مجريات الاحداث السياسية والاقتصادية والمالية لاسيما وان هذه القمة تنعقد بعد انسحاب القوات الروسية من خاركوف ومناخات امنية اخذت تشير للتخفيف من حالة الاحتقان في ملفات تايوان واوكرانيا، وهو ما يتوقع ان يحمل تاثيرات على ملفات الطاقة وعلى وزن العملات تجاه الورقة الخضراء، الامر الذي جعل المراقبين ينظرون لهذه القمة باهتمام على اعتبارها تشكل نقطة تحول في الصراع القائم بين الشرق والغرب حيث يمكنها ان تترجم انتاج انظمة اقتصادية ومالية بديلة بحيث تكون قادرة على تغيير نظام الضوابط والموازين التي يخوض معركتها الرئيس بوتن على الساحة الاوكرانية والرئيس بيتغ في الاتجاه الاقتصادي .
قمة سمرقند التي دعت لانشاء نظام دولي (عادل) لم يتفق فيها بوتن وبينغ على شكل التحالف الذي يراد تكونه ولا على طبيعة الرؤية الاستراتيجية التي يمكن العمل عليها على الرغم من اللقاء الطويل الذي جمع بوتن -بينغ لكن التوافق لم يكن سيد الموقف ولم يشكل الحديث ارضية عمل يمكن البناء عليها كما تشير القراءات الواردة، فالصين تتحدث عن تعددية في بيت القرار العالمي والروس يريدونها قطبية والتباين كان واضح في القمة التي جمعت بوتن - بينغ حيال ملفات أوكرانيا والعلاقة مع الولايات المتحدة وكيفية بناء المعسكر المناوئ للغرب لكن التوافق جاء واضح حيال ملفات الطاقة وموضوعات العملات والاستثمار الاقتصادي والذي حصلت ايران بموجبه على استثمارات روسية كبيرة وتكنولوجيا صينية متطورة وهو ما سيمكنها من الدخول في ميادين التفاوض في الملف النووي بطريقة افضل.
لكن ما كان لافت في سمرقند الجسر الذي شكله الرئيس الصيني بينغ لربط العلاقة بين بوتن وبايدن، وهو ما قابله الرئيس بايدن بترتيبات تسمح بخروج آمن للرئيس الروسي في شبك اوكرونيا وتحافظ على هيبة الدب القوي ليكون في ساحته التي لم يسمح له بتجاوزها او بتوسيع حضيرتها، فالصين اخرجته في السابق من أوزبكستان حيث تنعقد القمة والغرب لم يسمح له بالتمدد في شرقي اوروبا وهو ما يجب على موسكو ان تدركه جيدا فإن امجاد الاتحاد السوفيتي هي امجاد تاريخية ليس لها جغرافية مكانية في العالم الحاضر .
وهو الاستخلاص المهم الذي يجب الاقرار به باعتباره مسلم حتى يتم عودة الدب الروسي لمكانته السلمية الآمنة ويمكن الجميع من البناء على هذا المسلم كنتيجة يستفاد منها مع اشتداد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة ودخول اوروبا في مناخات الشتاء التي بحاجة لعودة الغاز الروسي اليها عبر خطوط الامتدادات الناقلة بعد ما توقفت كليا على المانيا وجزئيا على بقية البلدان الاوروبية بسبب خلل تقني اصاب خطوط الامداد كما وصفته موسكو .
فهل ستكون محطة سمرقند بداية اصلاح الخطأ التقني في الامتداد والفني في عودة ميزان التضخم لمستوياته الطبيعية؟، هذا ما ستجيب عنه الايام القليلة القادمة بعد نجاح قمة سمرقند باستدراك المشهد.