إن الحالة التي يمر بها الوطن تستوجب وقفة تضامنية من جميع الجهات والأفراد لنكون جميعاً قادرين على تجاوز التحديات التي نواجهها على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لننهض بهذا البلد الذي نحب، فمجتمعنا الطيب ليس ساذجاً لكنه يعاني أزمة ثقة، فلقد أصبح مشوشا بين غياب المعلومة الصحيحة وانتشار الإشاعات مثل انتشار النار في الهشيم.
وبما أن أول ما أمر به رب العزة نبينا عليه السلام القراءة كونها مصدر معرفة كعلم يبنى عليها إتخاذ القرار، وطالما نحن نتابع ونقرأ فإننا نحتاج إلى مصادر موثوقة لمعرفة الحقيقة التي ستوصلنا لاتخاذ القرار الأسلم ،ويكون بناء الثقة بين مصدر المعلومة ومتلقيها طالما دام الصدق في المعلومة و لا يكون الزلل شططاً كبيراً عندها سيتغير انطباع المتلقي و ربما تنتهي مصداقية المصدر- كلياً- فيترك ،أو -جزئياً- فيصبح الخبر التالي بحاجة للتأكد من صحته.
ففي الوقت الحالي نرى المواقع الإلكترونية تكون بين مواقع ذات مصداقية عالية و بين ما لا نقرأ فيه أي خبر لانعدام المصداقية، فهي خبرات تراكمت تتلاشى مع انخفاض منسوب الحقيقة فيما يطرح.
و ما سبق ذكره عن أزمة الثقة ينطوي أيضاً على تعاملنا مع الآخرين، ففي كل يوم نجد ما يعزز المصداقية والثقة أو نجد ما يجعلنا ننفر من ذلك الفرد.
في الوقت الحالي تجد الكثيرين ممن يجيدون لعب دور هامان في تلميع من يعطي مالاً أو يعدهم بما لا يستطيع أن يفي به في حال استلم غايته من منصب أو ربح ،وهنا يجب أن نستذكر ونعتبر بأن أخسر الناس من باع دنياه وآخرته بدنيا غيره فخسر كل شيء، فترى الواحد منهم يصعد المنبر ليخطب عن الفقراء وهو يخرج منديلا يوازي في ثمنه وجبات أسبوع كامل لأسرة أحدهم ممن يستمع له ليمسح عرقه ناسيا ما يعانيه الناس من فقر وكبد ، وآخر يعد الشباب بمستقبل واعد وأحلام وردية وهو يستخدمهم كأدوات لتحقيق أهدافه.
المصيبة الكبرى هي أن الأفق أمام الشباب مسدود ويمكن وصفه بالمرعب وإذا تلقوا وعداً وكان كسراب بقيعة فإنهم سينتقمون ممن خدعهم بأنفسهم وبما يضر مجتمعهم وتزداد الأمور تعقيداً عليهم ، لذا غياب الثقة يعد كارثة لهم وسيشعرهم بالاستغفال الذي سيجعلهم يتقاعصون عن أي تقدم.
إن من يقوم بدور تلميع أدعياء العدالة لا يقل عما فعله هامان حين ضلل الناس سنوات.
ما أحوجنا للثقات ليقوموا بنشر الخير و المحبة و العدل، ذلك أننا نملك جيوب فقر -من الجنوب مروراً بالأغوار و البوادي و المخيمات حتى الشمال- لا تستطيع أن تتلقى ضربة أخرى من مخادع محاط بمائة هامان.
قالوا: إنك تستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت، و تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، ولكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت.