في الحديث عن معهد "الوطن" .. معهد الإدارة العامة
فيصل تايه
16-09-2022 09:39 AM
تلبية لدعوة كريمة من عطوفة مدير عام معهد الإدارة العامة، المهندسة سهام الخوالدة ، قام وفد من ملتقى النخبة بزيارة إلى المعهد ، وتشرفت بأن كنت احد أعضاء الوفد ، الذي ضم في عضويته عدداً من السادة الذوات ممَّن لديهم الخبرة والتجربة في الإدارة العامَّة ، حيث اطلعنا من خلال الزيارة على أبرز المستجدات التي أحدثت نقلة نوعية في عمل المعهد ، من برامج موجهه ومواد وحقائب تدريبية ومناهج متخصصة وقاعات دراسية مهيأه لمتلقي الخدمة بشكل كامل ، وما سرنا ايضاً ما تمثل بالزام الجهات الحكومية كافة بتدريب موظفيها من خلال المعهد وإشرافه على برامج التدريب المتخصص بعد تعديل نظام الخدمة المدنية الاخير .
لقد كان للقاء اعضاء الوفد الكريم بعطوفة المهندسة سهام الخوالدة بحضور مدراء مديريات المعهد ، الأثر الكبير في تكوين انطباع إيجابي موسوم بالرضى عن خطط المعهد المستقبلية ، حيث كان اللقاء لقاءً جديا صريحا تركز حول أهمية الإصلاح الإداري الذي هو جزء من منظومة الاصلاح الشامل الذي يستحوذ على اهتمام جلالة الملك ، مع الاشارة خلال اللقاء الى أن ركيزة الإصلاح هي تمكين وتفعيل المورد البشري ، حيث يأخذ المعهد دورا محوريا في عملية الإصلاح الإداري ، ويعتبر ذراعا تنفيذيا يعمل ضمن منظومة تطوير وإصلاح القطاع العام من خلال التدريب والتمكين للمورد البشري .
لقد مكنتنا هذه الزيارة من الاطلاع على دور المعهد في التخطيط للعملية التدريبية وصولاً على تدريب موجه ، مع الأخذ بعين الاعتبار الخطط والأولويات الوطنية وعلى رأسها خارطة تحديث القطاع العام ، والتي تهدف إلى الوصول إلى قطاع عام ممكّن وفعال ، حيث يعتبر التدريب من العناصر الرئيسية لتمكين ورفعة قدرات الموظفين ، اضافة الى الدور الذي يقوم به المعهد فيما يتعلق باسترتيجيات التدريب الفعالة والتي تمتاز بالشمولية للفئات الوظيفية كافة، وتشمل برامج للموظفين الجدد وصولاً لبرامج الفئة العليا ، كما وجرى استحداث مركز تمكين القيادات الحكومية لتشمل برامجه الفئات العليا المخصصة لشاغلي وظيفة أمين ومدير عام ، بالإضافة إلى برامج القيادات التنفيذية لشاغلي الوظائف الإشرافية والقيادية الوسطى ، وبرامج القيادات النسائية والشبابية والحكومية.
كما واطلعتنا عطوفه المهندسة الخوالدة على آليات عمل إدارة المعهد وبجهود كبيرة من القائمين عليه ، اضافة الى الجهات المشرفة ذات العلاقة والجهات الداعمة ، وما لفت اثناء اللقاء ، أهمية النهج التشاركي في القطاع العام ، وبين القطاع العام والخاص ، من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع العديد من الوزارات والدوائر الحكومية والجامعات والقطاع الخاص ، ذلك لتبادل الخبرات وتعزيز قدرات الموظفين ، والاطلاع على الممارسات الحديثة في الإدارة ، والعمل جارٍ حاليا لإقرار اعتمادات الحصول على شهادات معتمدة عالميا لبعض البرامج التقنية .
وعلى هامش الزيارة دار نقاش حول أبرز التحديات التي تواجه المعهد ، والتي من أبرزها ضعف الموازنة ، وقلة المخصصات للتدريب في الدوائر ، بالإضافة إلى نقص الكوادر البشرية المؤهلة ، حيث أبدى بعض أعضاء الوفد ملاحظاتهم واقتراحاتهم ، والتأكيد على ضرورة إحداث تغيير نوعي في تحديث الإدارة العامَّة والخدمات ، والذي اكدت عليه مسارات التَّحديث الشَّامل انسجاماً مع التوجيه الملكي السامي ، الذي تعمل عليه الحكومة ، بالتزامن مع مساريّ التَّحديث السياسي والاقتصادي ، والذي تضمَّن اتخاذ جميع الإجراءات اللَّازمة لإعادة الهيبة والألق للإدارة العامّة الأردنيّة، ومعالجة الأوضاع غير الحميدة التي ظهرت أخيراً في القطاع العام .
ان ما كان يدور في عقلية شخوص الوفد التذكير بتاريخ الإدارة العامّة الأردنيّة ، والتي لعبت على مدى عقود دوراً محوريّاً في نهضة الأردنّ ، وفي خدمة العديد من الدُّول الشقيقة ، وظلّت على الدوام انموذجاً للعمل الجاد ومضرباً للمثل ، كما وأثبتت قدرتها على العمل والإنجاز في أحلك الظروف ، لكنها وللاسف شهدت وخاصة خلال السنوات الماضية تراجعا بالأداء والإجراءات البيروقراطيَّة، الأمر الذي بات يشكِّل عائقاً أمام الإنجاز ، ما تطلب التأكيد على سعي الحكومة من أجل إعادة الألق لها ، وتجسير فجوة الثِّقة بين المواطن ومؤسّساته ، وتحديد أوجه القصور في القطاع العام، وتحديد المجالات الممكنة للتحسين والتَّطوير .
لقد سلط اعضاء الوفد الضوء في نقاشاتهم الموسعة على أن ازمة الاردن خلال السنوات الاخيرة هي بالمطلق "ازمة ادارية" قبل ان تكون سياسية او اقتصادية ، ذلك في الاشارة الى تراجع واضح في اداء الادارة العامة والتي اسهمت في بروز ازمات وتحديات اقتصادية وسياسية ، ما أدى الى عدم قدرة الجهاز الاداري على التعاطي معها وفق منهجية ثابتة ومستقرة ، نتيجة افرازات في التحولات الاقليمية التي وضعت صاحب القرار في موضع التردد والخوف من اتخاذ قرارات صادمة للمواطنين .
لقد اتفق اعضاء الوفد خلال حواراتهم على ضرورة التأشير على مواضع الخلل لتصويبها، ومواضع الإنجاز لتعزيزها والبناء عليها ، والتأكيد على اتخاذ إجراءات ملموسة تسهم في رفع كفاءة المؤسّسات الحكوميّة ، وترشيق أدائها، وتحسين مستوى الخدمات المقدّمة للمواطنين ، والتركيز على كيفيَّة إحداث نقلة نوعيَّة في الخدمات الحكوميَّة وأتمتتها، بهدف التسهيل على المواطنين، وتوفير الوقت والجهد والكُلف عليهم، إلى جانب تفعيل مبدأ الثَّواب والعقاب، بما يضمن مكافأة الموظَّف المتميِّز الحريص على الإنجاز، واتخاذ ما يلزم من إجراءات بحقّ من يعرقل الإنجاز ويعيق تقديم الخدمات للمواطنين.
كما واكد اعضاء الوفد لادارة المعهد على أن المساهمة الحقيقية في العملية التنموية هي جودة الإدارة وقوتها كونها الدافع الحقيقي للتطور ، وفي دفع ماكينة الإنتاج ، وتحقيق المراد على الوجه الأكمل الذي ينبغي أن يكون عليه في الحاضر والمستقبل ، وهذا ما يجب غرسه في نفوس المتدربين قادة المستقبل ، وان كان ذلك يصطدم امام معوقات تعود الى الضعف الإداري في ادارة شؤون الكثير من المؤسسات الحكومية الرسمية ، ويؤدي الى مخاطر وخيمة ، لذلك وجب التركيز على أن اختلال نظم الإدارة هي التي تفشل الدولة وتقودها للتهاوي وتقوض أركانها ، ما ينتج عنه استفحال الفساد الذي هو سبب في شقاء المجتمعات ، وهنا لا بد من التأكيد أن الضعف في الإدارة يؤدي حتماً إلى مس هيبة الدولة وافشالها .
لقد نوه اعضاء الوفد الكريم الى ضرورة تشخيص جريء للحقيقة والواقع بكل تفاصيله ، فبالرغم من احتياجنا الدائم الى قيادات ادارية اصلاحية في الكثير من قطاعات الدولة ومؤسساتها ، قيادات تعي بطبيعة المركز المستند الى ثقافة البصيرة الواعية بالمهام والمسؤوليات والقدرة على اتخاذ القرارات ، لذلك فنحن بحاجة إلى من يقود الأجهزة الادارية في مؤسساتنا ، والتي يجب ان تكون قادرة على اتخاذ قراراتها بكل همة ومسؤولية ، فما يهم في المقام الأول دعم اتجاه المحاسبة والمساءلة والنقد والكشف والشفافية ، ما يدفعنا لإعطاء العقل فرصة تمكن من تلمس الواقع الذي يحتاج الى فكر قوي وهمة عالية واعتماد المؤسسية وارتقاء فاعل لمرحلة الادارة الرشيدة خاصة عند أصحاب السلطة في مؤسسات الدولة الخدمية المختلفة .
ان ما عرضه الذوات الحضور اصحاب التجارب الواسعة في مجال الإدارة من اعضاء الوفد هو ما يلامس الحقيقة ، فجرى التركيز على أن كل ما في الأمر أن الجهاز الوظيفي ومناصب الصف الأول في دولة متحضرة كدولتنا الاردنية ستتقوقع أمام الوعي والحداثة ما دام البعض من المسؤولين ينتهج سياسة القرارات المركزية المهيمنة والابقاء على العقلية البيروقراطية التقليدية ، مع الحاجة للدفع بالاتجاه الحقيقي نحو احداث التغيير الجذري في العقل المسؤول وسياسة الادارة المركزية والارتقاء لمرحلة الرشادة في القرارات الحكيمة الفعالة.
أخيرا ، وبالمختصر .. لا بد من الاتجاه الحقيقي نحو ضرورة التركيز في برامج المعهد وادبياته ومنهاجه الفعال ، على ضرورة إحداث التغيير الجذري في العقل المؤسسي لقطاعات الدولة المختلفة وطريقة إدارتها ، وبالشكل الذي يمكنها من إدارة شؤونها وتحقق أهدافها المرجوة من خلال القيادات الواعدة ، والشخصيات الوطنية القيادية المؤهله ، التي تستطيع أن تقنع الجميع بالالتفاف حولها وتستحق المكان والمنصب ، وليست مشروع سيطرة واستحواذ وتسلط ..
بقي ان أقول ان من الضرورة بمكان زرع القيم والتوجهات النبيلة في عقلية متلقي الخدمة والمتدربين ، واشراكهم بالافكار التي تقود الى تحديث القطاع العام ، باعتباره رافعة أساسيَّة للإصلاح الاقتصادي ، والإصلاحات المرتبطة بتحديث المنظومة السياسيَّة ، سائلا المولى عز وجل التوفيق لهذه المعهد وتنفيذ والبرامج التي من شأنها تحديث الإدارة العامَّة ولتبسيط الإجراءات وتطويرها .
كل الشكر والتقدير للمهندسة سهام الخوالدة وفريقها الإداري على حسن الاستقبال ، ونامل ان تتكرر الزيارات المقبلة وقد تحققت طموحاتهم في منتج نوعي لقياداتنا الادارية لما فيه خير لهذا البلد الكبير باهله وقيادته المظفرة .