تختنق العَبرات والعِبارات فلا تُذرف ولا تُنطق ما بين عيونٍ حائرة ترقب بقلق مفرط تلك المشاهد التي باتت متكررة بشكلٍ مأساوي وما بين شفاهٍ يلجمها الصمت من جمرة القلب على حالٍ تغييره ليس بالأمر السهل.. فلا يملك أيًّ منا تلك العصا السحرية الأسطورية فتنقلب الأحوال لأفضلها بغمضة عين و لا نجد مصباح المارد الخادم (مصباح علاء الدين) فيلبي لنا الأمنيات المستحيلة بصرخة (شبيك لبيك) فننعم بعدها بأهازيج الفرح و نودع الترح من بعد كل هذا الكَبد المضني.. فالسؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه دوماً هل فعلاً أمنياتنا مستحيلة؟ هل ما نصبو إليه محال؟ هل أن يكون شبابنا بخير.. أن نكون نحن معهم بخير هل هو ضرب من الخيال؟ هل سنجد يوماً جواباً منطقياً لكل ما يحدث و يقال؟
تتوالى الأنباء.. ارتفاع معدلات الانتحار.. شاب بعمر العطاء هنا.. فتاة في أوج النجاح هناك.. ليصبح خبر الساعة يرافقه زوابع من تكهنات.. افتراءات.. تحليلات وبغير علم إفتاء.. متناسيين فيها وجع تلك الأسر المكلومة على تلك الأرواح التي زُهقت من فرط اليأس.. دون تَفكرٍ برويةٍ كيف لنفسٍ بشرية أن تأخذ و تنفذ هذا القرار بالانتحار؟ ما عانت.. ما صبرت.. لماذا عجزت عن البوح.. لماذا لم تصرخ للاستنجاد كيف امُتصت داخل ثقوبٍ سوداء من الاكتئاب و العجز؟؟ لماذا لم تجد هذه النفس المحطمة بديلاً إلا أن تُسكت تلك الآلام المتعاظمة في دواخلها -بعد أن غاب عنها المنطق و العقل و انفصلت تماماً عن الواقع و بعيداً عن كل الاعتبارات- فاختارت الموت الفعلي على أن تموت يومياً في بؤسها آلاف المرات و بصمت. هنا لا تبرير.. مهما اختلفت الأسباب و الدوافع للانتحار إلا أنه يبقى ازهاق روح بغير حق و فقط علمها عند بارئها العفو الغفور الرحمن الرحيم لكننا نبقى جميعاً أمام مسؤولية مجتمعية أن نكون عوناً و سنداً لا قاضياً و جلاداً يفند و ينفذ أقسى الأحكام فيمن انتقل إلى رحمة ربه و فيمن ترك وراءه من أفئدة مفجوعة ترتجي المواساة و أن نكون قوةً ايجابية لحالات على شفير الهاوية تحتاج منا الدعم و الانقاذ قبل فوات الأوان.
تتوالى الأنباء في مشهد آخر.. المخدرات الخطر الداهم على شبابنا اليوم مع كل الجهود المبذولة ومنذ أمد بعيد من جنودنا البواسل على الحدود إلى أجهزتنا الأمنية الذين يخاطرون بحياتهم بشكل يومي و الذين منهم من استشهد في سبيل حماية وطننا و شبابه من آفات المخدرات و استمرار وقوف قواتنا الأبية بشموخ سداً منيعاً على كافة الجبهات ضد المهربين و أتباعهم مهما كانت الظروف والصعاب وازدياد حملاتهم الشرسة لاجتثاث معاقل الاتجار والترويج في مختلف المناطق ولكن برغم كل ذلك ما زالت ترتكب في مجتمعنا جرائم مهما اختلفت تفاصيلها إلا أن المخدرات هي المسبب الرئيسي فيها و في ضياع شباب و شابات في غياهب الادمان والموت مدمرين ليس فقط أنفسهم بل عائلاتهم ومن حولهم بلا أدنى رحمة. إن تفشي المخدرات و ازدياد استهداف وطننا بشبابه لتحويله من معبر لمقر هو من أكبر التحديات التي نواجهها جميعنا و تحتاج منا الكثير من التوعية و الوعي مع التعامل الحازم و القطعي لدرء مخاطر هذه السموم على كافة المستويات بدءاً من أطفالنا و بيوتنا إلى مدارسنا.. جامعاتنا و كافة النطاقات المستهدفة من قبل تجار الموت.
تتوالى الأنباء...في مشاهد مختلفة ما بين جرائم قتل.. حوادث.. نصب.. وفساد.. يتكالب على منظومتنا الأخلاقية المستهدفة في حلل مختلفة ترويجاً لغزو فكري متجدد على مدى عصور بإسم الحريات المصطنعة و الحقوق اللاأخلاقية المتجردة من أية روابط حقيقية متأصلة نابعة من ثوابتنا.. مع ضغوطات شتى متفاقمة تحاول أن تحيد خطانا الواثقة عن الطريق القويم في مسيرتنا العريقة و تسعى أن تحطم مستقبل أمتنا المتمثل في شبابنا وشاباتنا و مجتمعاتنا الفتية القادرة على العطاء المثمر المستدام.
لكن هيهات.. فنحن الشعب الذي أراد الحياة.. وبصمود شبابه سيحطم كل التحديات مهما طال الزمن و إن تداعى لنا طرف أقمناه بتعاضدنا و تراصنا جنباً إلى جنب بقلبٍ واحد شجاع مقدام يعشق تراب أرض الوطن وسيذود عنه بالروح و الدم لنكون جميعنا بخير و سنكون يوماً ما بخير بلا أدنى شك.. أبداً لن نفقد الأمل.. مهما كان الثمن فنحن حاملو رايات المجد برغم كل المحن.. الله الوطن المليك تحت الراية الهاشمية.
والله دوماً من وراء القصد
الرأي