مذكرات السياسة العربية حين تلاشت العرب
أمل محي الدين الكردي
15-09-2022 02:51 PM
تحمل لنا كتابة المذكرات تجارب فكرية وسياسية ولا شك بأنها توثق قيمة تاريخية لنا وخاصة بعد رحيل البعض ، معظم اللذين كتبوا مذكراتهم كانت بدافع شخصي او بطلب او من اكتسبوا ذاكرة فوتغرافية، ولا شك كتابة المذكرات تاخذ عدة شهادات بها ما هو مسموح وما هو ممنوع والمذكرات السياسية تكشف ما لا تكشفه الوثائق المؤرشفة في بعض الاحيان.
هناك من يؤمن بحقيقتها والبعض يكذبها وآخرون يحللونها ويتقبلونها كما يريدون ،وتبقى كتابة المذكرات كما يرويها الكاتب لنا ،وبعد اعوامٍ طويلة ندعمها بالوثائق والمعلومات لتضيء لنا المشهد في حينه وخاصة من يكتب هذه المذكرات كان شخص فاعل وشاهد في تلك الحاضرة الزمنية التي كتبت بها وانا مع ان تكتب المذكرات لتبقى شاهدة للاجيال القادمة ومادة أرشيفية نعتز بها.
كتاب حين تلاشت العرب للكاتب اللواء علي ابو نوار كتاب في السياسة العربية (1948-1964)م دار الساقي لندن 1990م آي قبل 32عاما حيث قدم الكاتب جزء مهم وأساسي من الرواية السياسية الاردنية .
هذا الكتاب الذي يحمل افكار مغايرة في بعض تفاصيلها لما كتبه البعض ولكنه حمل الكثير من الرؤية التاريخية والفكرية للتاريخ المنطقة ،ولا شك بأنه ترك علامات استفهام في كتابه ولكن مع مرور الزمن اصبحت مفهومة .
كتب اللواء علي ابو نوار للجيل الجديد الذي وصفهم بانهم سيكونوا الاجيال التي يدفعهم الشوق للمعرفة الطموحات التي تطمح بها أمتنا ولم يستغرب ان يكون نموذج غريب للعصر جديد وسيكون للجيلهم اوصاف كثيرة، وان اجياله التي عانت الكثير لم تترك للاجيال القادمة ما يريحهم ويعفيهم من تحمل مشاق تحملوها برضى وانهم تركوا لنا ارثا ثقيلا ليس باختيارهم .
واضاف كلمة جوهرية بتمهيد الكتاب قال: (من يفكر من العرب ان الاستعمار إنتهى فهو منكر لوجوده في أوطاننا بنفوذ صارخ يصم الآذان ومن يعتقد منهم ان الاستعمار صداقة فهو لا يرى ولا يفقه مهما تعاظم أمره وليس أمامنا الا ان نتقاسم الغنم والغرم ونرتبط بمصير واحد كي ننجو بأوطاننا واستقلال إرادتنا والاستئثار بثرواتنا)، أما بمقدمة الكتاب كانت سردية بعواطف جياشة ما تحمل المعيشة والطفولة ومرحلة الشباب ومراحل إنسانية يتعاظم بها الفخر والجرح والصمود وما اجمل الاستذكار للشخصيات التي عاشت الزمن بظروفه البيئية والاجتماعية من شرقه الى غربه.
ومرحلة الجيش التي عاصر بها المغفور له الملك عبد الله الاول وكان اميراً حينذاك ودور الجيش الاردني، ويعرض تجربة الجيش الاردني بحرب 1948م التي استشهد فيها واصيب بها المئات من ضباط الجيش .
وعرض الكاتب بالتفصيل خطة الضباط لتعريب الجيش بإشراف الملك وعلمه وكان القرار مسبقاً ان يتولى راضي عناب قيادة الجيش ويعاونه علي الحياري وحددت مهام المبادرة واستعداد الضباط كلُ في موقعه ومهمته وشرح شرحاً مفصلاً لهذه الفترة الزمنية وما بها من احداث التي يوكد ابو نوار انه في أزمة عام 1957م ، لم يكن هناك حركة انقلابية في الجيش لكنها كانت حركة سياسية واعلامية وقد تشكلت ووضعت البلاد في حالة ازمة سياسية كبيرة وانها لم تكن مجموعة واحدة بل كانت عدة حركات حزبية وسياسية كانت تعمل بالجيش ايضاً .
الحديث يطول مما يعرضه الكتاب للذهنية العربية ببداية الخمسينات والتطلعات والامال،وحمل الكتاب الكثير الذي ختم به مقابلته مع الرئيس بعد الناصر الذي كان غير راضياً عن احاديث اللواء ابو نوار العلنية وخلاف الراي العميق بينه، وكان يفهم ان العتب كثير من الرئيس عبد الناصر ولكنه كما قرأت يصر على الحق في إبداء الراي والتي كانت مقابلة يؤكد بها بأن الاردن لن يشنقه ولكن يكون هناك قيود على حرية الرأي التي تفرضها علي بحكم الضيافة وحاول ان يثنيه عن محاولة العودة، ولكنه أصر وابلغه بأنه سيقوم بالاتصال المباشر بالمغفور له الملك حسين والتي شرح بها بعث الرسالة وانه جاءه الرد خلال اسبوعين بواسطة الشريف زيد بن شاكر وشرح الكثير من المواقف التي مانعت اتصاله بجلالة الملك حسين ولكن تمت المقابلة بينهم التي كتب عنها بكل انصاف عن الملك حسين رحمه لا شك بانها رواية تسرد الى القارىء بها من العواطف التي تحمل نبل أبناء الاردنيين مهما كنا ومهما نصبح واينما نكون نبقى اردنيين فتلك اخلاقياتنا التي شربناها من هذا الوطن وختم ابو نوار بالكتابة عن اخلاقيات الملك حسين وهي ليست بغريبة عنا كأردنيين وقال: (ان اخلاقيات الملك حسين التي يتعامل بها مع القريب والغريب او البعيد نادرة مهما اختلف معه الرجال او اتفقوا معه .
أما في ايامنا هذه التي تعطلت فيها كل ما افتخرنا به من تقاليد شرف عربية عند الكثيرين من الحكام اللذين اتخذوا القتل والحيلة وسيلة للقضاة على الخصوم ،فإن اخلاقيات الملك حسين لم تصبح ندرة فحسب ولكنها صفة تفرد بها وتفردت به ، واضاف ان بعض الناس يقولون هذه براعة سياسية وذكاء وانا اختلف معهم في ذلك فالملك حسين ليس الوحيد في السياسة والذكاء وختم، أين من حاكم يغلب النبل في صفاته على كل الضعف والقوة في نفوس البشر ؟، وذكر بأنه خرج من الاردن باختياره وعاد اليه باختياره ووصف سعادته وفرحه بوصوله مطار عمان بين اهله وابناء عمومته وكيف تم تنفيذ اوامر جلالة الملك تسهيل وخروجه الذي الذي وصف احساس رجوعه الى الوطن الذي احبه طوال عمره ولكنه افتقد والدته التي انتقلت الى دار الاخرة في غيابه .
وعلى اي حال الكتاب يحتاج الى دراسات ووجهات نظر واليوم لدينا الكثير من الدراسات والمذكرات السائدة في ذلك الوقت لتغطي معظم الاحداث ونقف عند خطوط معينة للدراستها وتوثيقها، ولكن ما يهمنى كقارىء للكتاب انصافه للحديث عن الاشخاص حب الاردنيين للاردن مهما ابتعدنا عنه لعلي قرأته الكتاب بالنهايات واتخذت منه الرواية العاطفية التي أحببتها بشخصية المغفور له الملك حسين رحمه الله وعشقناها كلنا ولا زلنا نحبها في أبنائه واحفاده، رحم الله المغفور له الملك حسين بن طلال رحمة واسعة، وحفظ الله لنا الملك عبد الله الثاني وولي عهده وادام ملكه .