التوعية بكيفية التعامل مع المباني القديمة
العميد المتقاعد عارف الزبن
15-09-2022 02:24 PM
لقد أشار جلالة الملك بهذا التوجيه الملكي الى ثلاثة مواضيع مهمة، أولها تحديد المخاطر والتعرف عليها والمتمثلة في المباني القديمة، كما بيّن في السياق ثانيها تقييم هذه المخاطر بانها عالية الخطورة والاهم في ذلك هو ثالثها وضع الضوابط واتخاذ القرارات والمتمثل بجزء منها في توعية المواطنين، والتي قد تعتبر هي الخطوة الأهم وقلب ومركز الثقل في موضوع إدارة المخاطر، التي يقع الجانب الأكبر في التقصير بتطبيقها على إجراءات الحكومة، مع وجود جانب تقصير هامشي بسيط من حيث التطبيق على المواطنين. ولكني أقول الى جلالة الملك " ترى بعض المسؤولين فاهمين السالفة عندنا غلط او بالأحرى فاهمين موضوع إدارة المخاطر من تحت الى فوق يعني مثل سبب انهيار مبنى اللويبدة من الأسفل"
في علم إدارة المخاطر RISK MANAGEMENT عادة ما تمر إدارة المخاطر في خمسة مراحل يجب ان تكون مدروسة ومتسلسلة وممنهجة التطبيق وهي:
1. الخطوة الاولى – تحديد المخاطر والتعرف عليها Identify the hazards.
2. الخطوة الثانية – تقييم المخاطر Assess the hazards.
3. الخطوة الثالثة – وضع الضوابط واتخاذ قرارات المخاطرة Develop controls and make risk decisions.
4. الخطوة الرابعة – تطبيق الضوابط (الإجراءات) Implement controls .
5. الخطوة الخامسة – الاشراف والمراقبة والتقييم Supervise and evaluate
ان علم إدارة المخاطر RM هو علم يدرس منذ القدم في جميع دول العالم على المستوين العسكري والمدني، ولقد تعلمت هذا العلم منذ اكثر من ربع قرن في عام ١٩٩٦ عندما كنت ملحق كقائد سرية قوات خاصة في الجيش الأمريكي في قاعدة فورت براغ بولاية نورث كارولينا، وللأسف عندنا في الأردن لا يدرس هذا الموضوع او بالأحرى ان وجد فانه لا يُطبق على ارض الواقع في أي من المؤسسات الحكومية ، ولم تقع امام ناظري الا دراسة او خطة منشورة على الانترنت لجامعة العلوم والتكنلوجيا فقط من خلال هذا الرابط https://www.just.edu.jo/ar/aboutjust/Documents/riskplan.pdf ، فبعض المسؤولين في الأردن ولله الحمد تجاوزوا الخطوات الأربع الأولى من إدارة المخاطر جميعا ، وانتقلوا الى الخطوة الخامسة (من الأسفل) وهي الاشراف والمراقبة والتقييم والتي هي أيضا بكل اسف لم تسلم وفُهمت غلط وتطبق غلط وتقتصر فقط بعد حدوث الازمات والكوارث (المخاطر).
فالصورة الماثلة امامكم في هذا المقال ، هي خير مثال على هذا الفهم الخاطئ، قد يعتقد البعض مِنّا ان الشخص المهم الذي يظهر بالصورة هو دولة الرئيس او امين عمان ، فاذا كان هذا هو الجواب اسمحوا لي ان أقول لكم لا، لان الشخص المهم في الصورة هو مصور الكاميرا (الاعلام) الذي قام بالتقاط الصورة ، لتكون لاحقا تحت عنوان كبير تتصدره وسائل الاعلام المرئي والمسموع بأشراف ومتابعة ومراقبة حثيثة من رئيس الوزراء والذي اعتاد علية كل الأردنيين " بتوجيهات ملكية من جلالة الملك عبدالله الثاني اشرف دولة رئيس الوزراء يرافقه امين عمان على موقع حادث اللويبدة " والتي قد يتبعها بيان رسمي من الحكومة " أشاد دولة رئيس الوزراء بجهود افراد الدفاع المدني على ما قدموه من جهود في التعامل مع حادث انهيار عمارة اللويبدة " ويتبعها تصريح " اكد دولة رئيس الوزراء على تشكيل لجنة تحقيق في حادث اللويبدة" ثم يختمها تصريح اخر من مجلس النواب " تم تشكيل برئاسة النائب يحيى السعود (رحمة الله) في التحقيق في حادث اللويبدة للوقوف على أسباب الحادث الأليم" ويتبعها تصريحات أخرى لتخرج علبنا سوالف كثيرة يعني بالمختصر السالفة راح تأخذ وقت.
وللعودة الى موضوع إدارة المخاطر ، فالمخاطر كثيرة تحتاج الى عصف ذهني وتفكير من خارج الصندوق لمعرفتها وتحديدها وتقييمها لا يسمح المجال في ذكرها ، والاهم من ذلك هو في الخطوة الثالثة في إدارة المخاطر وهي وضع الضوابط واتخاذ قرارات المخاطرة يتبعها تطبيق هذه القرارات . فالمباني القديمة وان كانت تشكل ارث تاريخي تجاوز البعض منها المئة عام تُجمل بعض الأماكن في عمان الحبيبة ، الا انها أيضا تُشكل خطرا لانها أصبحت متهالكة ، كما ان المهندسين الذين شيدوها هذه المباني لم يضعوا في تفكيرهم بالحسبان ، ان هناك يوم سيأتي بعض الجشعين ممن يبحثون عن تحصيل الأجور في التعديل هذه المباني او بناء طوابق فوقها على الرغم من عدم تحملها او تهالكها .
اعذروني فانا لست أبو العريف ؛ لالقاء على مسامعكم محاضرة في إدارة المخاطر ، ولكن في القلب غصة والم كبير ووجع لما حدث ويحدث وسيحدث في بلدي ، فبعض المسؤولين من أصحاب المعالي والعطوفات ، عندنا لم يتعلموا ولن يتعلموا ولا سيتعلموا او بالأحرى لم يكلفوا انفسهم بالخروج بتقييم للمخاطر او حتى بدروس مستفادة Lessons Learned بدء من حادث وادي الموجب و مستشفى السلط و ميناء العقبة والان اللويبدة، وان كانوا قد عملوا ورشات عمل او قاموا بتقييم لهذه الحوادث ، الا ان نتائجها حفظت في جوارير مكاتبهم وخزناتهم بدرجة سري للغاية ، لكي لا نسأل عن المقصرين او نحاسب المتسببين او حتى نتعلم نحن من هذه الحوادث (المخاطر).
وفي الختام ؛ لا بد لنا من تقديم الشكر والتقدير والعرفان الى كوادر الامن العام والدفاع المدني والمواطنين الذين استجابوا لهذا الحادث المؤسف والأليم ، كذلك الترحم على الأبرياء من شهداء الوطن رحمهم الله جميعا .
ولكن تبقى في القلب غَصة على كل من قصر واهمل في واجبه.