أفزعني هاتف ، حمل خبر تعرض زميلة لي لحادث مرعب ومضحك بنفس الوقت ، إذ أنها ابتلعت خلال نومها جسرا ، يضم ستة أسنان في فمها .
كان الخبر مزعجا .... لدى معرفتنا بتفاصيل الحادث ، وما رافقه من شعور بالخوف والذعر ، أثناء محاولتها إخراج ما علق في حلقها ، فهي لم تدرك ما حدث – ربما من حالة النعاس- وما أن تنبهت حتى تبين لها ؛ أنها قد ابتلعت هذا الجزء من جسر فكها العلوي .
النتيجة، سقط الجسر في جوفها ، عندها أسرعت إلى المستشفى ،مستنجدة بالأطباء الذين أكدوا لها بعد إجراء عملية تنظير للمعدة؛ تعلق هذا الجسر في معدتها ، ليقرروا على إثرها إعطائها العلاجات اللازمة مع متابعة تحركاته ، إلى أن يخرج بالحسنى ، أو بالقوة عن طريق أجراء عملية شق بطن .
عاشت العائلة ساعات ترقب لتحركات الجسر ، والخوف من عدم نزوله بصورة طبيعية ، حينها سيكون اللجؤ إلى المشرط الخيار الأصعب ........
واحسرتاه ....فزميلتي التي ركبت الجسر ، لم تفرح به ، يعني تركيبته كانت بالدين ، وبالتقسيط ،وما زال أمامها أشهراً من هذا العام، والسنة المقبلة لتسديد ثمنه ..للأسف فان تكلفته بالنسبة لها يعادل تكلفة جسر عبدون الوحيد المعلق ذو الكلفة الانجازية العالية.
المفارقة العجيبة ، أن صديقتي أصبحت حديث الناس ، بعد أن علم القاصي والداني ، بقصة بلعها جسر ركبته على حسابها الخاص ، وأصبح الكل يتصل للاطمئنان على وضع الجسر الذي استقر في معدتها ، والاحتمالات القائمة بعد عملية البلع ، وكيف حدث ذلك ، ووو..........
قامت الدنيا وقعدت لمجرد ابتلاع جسر معلق صغير كان داخل فك إنسانة من عامة الشعب ..دَخل إلى أحشائها دون قصد ........فيما جسور معلقة تبتلع وأصبحت في طي النسيان ...فلم يكفهم " زرط " جسر ولا جسرين ، ونهب خيرات بلدهم التي أحبتهم وقابلوها بالنكرات ، لا بل ردوا الجميل بنهبها وبلع خيراتها ، لتكون النتيجة حرماننا نحن المخلصين من خيراتها .
المذهل بالأمر أن لا أحد يحاسب هؤلاء على ما بلعوا !!! ، وهو ليس من حقهم ، ولم يتم تتبع" الجسور التي دخلت في معدتهم " ، وكأنها حق لهم ، ولا يحق لأحد أن يحاسبهم عليها .
انضمت زميلتي إلى مجموعة "البليعة" ، إلا أن الفرق ، أنها بلعت من دون إرادتها ، وعلى حسابها ؛ وما زالت ذمتها مشغولة حتى نهاية العام المقبل ، وقد تضطرها الظروف الاقتصادية الحالية التي يعاني منها الجميع إلى إعادة تركيب "الجسر " ، بعد استخراجه وغسله وتعقيمه وخضوعه لعمليات تفتيش ، وفحص شامل ، فيما اؤلئك الذين بلعوا البلد ، كان ذلك على حسابنا ، فلم يخضعوا لأي فحوصات وعمليات تفتيش ، لأنهم غير مطالبين بالتسديد ، وغير خاضعين للمحاسبة والمساءلة .. وإذا ما تم محاسبتهم فقط لغايات التوبيخ والتحجيم وافتضاح أمرهم من خلال جعلهم "درسا وعبره للآخرين"، دون التطرق إلى فكرة استرجاع ما بلعوا ..
بلعت فتحاسبت .. وبلعوا ولم يحاسبوا
وا .. عجبي على زمن البليعة
ملاحظة : حتى تاريخ نشر هذا المقال ، ما زالت زميلتي والأطباء الذين يعالجونها والأهل والأحبة والأصدقاء في حالة ترقب ، وتتبع مصير الجسرالخاص الذي ابتلعته .
Jaradat63@yahoo.com