اللويبدة بين الحنين وشروخ الهوية .. صراع الطبقات والمصالح
سامح المحاريق
14-09-2022 11:52 AM
بدايةً لم أكن أحب أن أدفع للكتابة عن كارثة أزهقت أرواحاً بريئة، إلا أن استعادة نشر مقال للراحل ناهض حتر حول جبل اللويبدة كان نشره على موقع عمون قبل سنوات، وجملة واحدة تحديداً، جعلتني أستشعر أن المشكلة أعمق كثيراً من كل ما نراه ونفكر فيه حول اللويبدة وعمان والأردن، فالمقال يتضمن العبارة التالية: "وهبطت أسعار العقارات والإيجارات، مما سمح لفئات أقل تحضراً للتسرب إليه".
أبناء الطبقة الوسطى الذين تحصلوا على قسط جيد من التعليم يريدون العالم أن يكون مثلهم، يعتبرون ذروة نضالهم في الحياة أن يرتقوا بالناس إلى نمط حياتهم، ولكن ألا تشتمون معي في هذه الفكرة نظرة استعلائية؟ أليست هذه الفكرة التي حملها المستعمرون معهم من أجل تمدين الآخرين وإلحاقهم بركب الحضارة.
نشأت لفترة من طفولتي على درج مشابه في منطقة النزهة، وكان أبي يذهب إلى عمله ويعود عصبياً ومرهقاً، لم نمتلك في تلك الفترة كثيراً من رفاهيات الحياة، وكان امتلاك السيارة أمرٌ متيسر لمن حاز حظاً عظيماً من الدنيا، ومع ذلك كنا أسرة متحضرة، فهل كنا سنعتبر متسربين لو انتقلنا إلى اللويبدة؟.
هذه الفئة نكبت بالأمس، وتحملت النتائج الوخيمة لإشكاليات التخطيط العمراني وإدارة الحيز المديني، ولأنني تعرفت على ظروف بعض الساكنين لأن بعض الفتيات من سكان البناية تلميذات في صف تدرسه شقيقة زوجتي، وواحدة منهن كانت بين الضحايا، وهذه الفتاة قامت بلفتة جميلة وحملت هدية في بداية السنة الدراسية تحمل كل ملامح التحضر وفقاً لمعايير الطبقة الوسطى القياسية لمعلمتها في مادة الاجتماعيات.
داخل هذه البيوت أمور أكثر من الانهيار، فالانهيار حدث واضح ومرعب، ولكنه جزء من منظومة تحتاج إلى مراجعة، الرطوبة والتهوية والتدفئة جزء، وكثيرون يحملون أمراضاً صدرية من طبيعة السكن وتبقى معهم، داخلها توتر وخوف من انقطاع العمل وتوقف الأجور، داخلها أطفال يحتاجون إلى مساحة من أجل اللعب لا تزاحمهم فيها السيارات ولا يطلب أحد منهم أن يخفضوا أصواتهم لأنه الآخر متعب ويريد النوم، داخل هذه المجتمعات مشكلات كان على أمانة عمان أن تتصدى لها.
الإصلاح يبدأ من تمكين الناس من التصدي لمشكلاتهم، من البلديات واللامركزية، ومن التوعية والتثقيف والتوظيف الأمثل للموارد، من أشخاص يمتلكون الشجاعة من أجل المبادرة بتقديم الحلول للمشكلات للجميع، من الواقعية في تقديم الحلول، من الإبداع في تحسين الظروف المعيشية ولو بشكل ضئيل ولكن حثيث.
يريدون اللويبدة حالةً من النستولوجيا، حسناً لنبدأ من الغد ونحولها إلى مونمارتر أخرى، قطعة من باريس، لنجلب أفضل ماكينات القهوة، ولنضع مزيداً من الألوان والجرافيتي، لنسأل عازفي الساكسفون والأكورديون التسكع في شوارعها، لعل الأمر ينقلنا إلى الصورة الحضارية، ولكن ألم يكن ذلك الزحف من الحنين وشروخ الهوية سبباً في ارهاق الجبل وسكانه (المتسربين)، وهل تقديم الحلول للويبدة التي تتصارع على أرضها الطبقات ومصالح البيزنس وأزماتها يمكن أن يقدم حلولاً لنفس المشكلة في الجوفة والنزهة والأشرفية؟ .
المشكلة الكبرى تتمثل في ضرورة العودة إلى التفكير في الإسكان الحضري الشعبي الذي يمكن الموظف البسيط والعامل من تملكه في رحلة عمره، منزل يناسب أسرة من أجل حياة مستقرة ومتوازنة، مصمم في علاقة ودية مع الشمس والهواء، والحل المبدئي في مراجعة الأوضاع وتحديد الأولويات من أجل تحسين الظروف في جبال عمان القديمة والترميم العاجل والمدروس بعناية، وتقديم الحلول الهندسية والبيئية المناسبة من أجل تمكين الناس من العيش الملائم في حدوده الدنيا المقبولة.