بداية نترحّم على من توفاهم الله في حادثة انهيار عمارة « اللويبدة « السكنية يوم أمس ، وندعوه جلّ وعلا أن يمنّ بالشفاء العاجل على المصابين بهذه الحادثة المؤلمة للجميع لأننا في الأردن - ولله الحمد - اعتدنا دوما أن نكون في توادّنا وتراحمنا وتعاطفنا كما الجسد « اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى «..، ومن السابق لأوانه الحديث عن أسباب ما حدث ، فهناك جهات مختصة تواصل التحقيق وجمع الأدلة حول أسباب الحادثة المفجعة ، ولكنّي أذكّر - وأتذكّر- بأن حوادث مماثلة وقعت مؤخرا كان آخرها في السلط ( أيار 2022) ، وحادثة عمارة « الغويرية / الزرقاء «عام 2018 ، وقبلها « عمارة الجوفة « في العام 2017.
لن أذهب بعيدا ..فانهيار المباني حوادث تقع في جميع دول العالم ولاسباب مختلفة ،وهي في الاردن ربما تكون الأقل من كثير مما نسمع عنه مرارا وتكرارا في دول محيطة ، وربما يكون السبب الاول لتلك الحوادث في كثير من دول العالم « عشوائية البناء «، حيث تشير دراسات وتطبيقات عالمية الى أن المباني العشوائية في الشرق الاوسط تشكّل نحو 33%، (نحن في الاردن لا توجد لدينا احصائيات أو دراسات رسمية حول عدد المباني العشوائية)..هذا من ناحية .. من ناحية أخرى هناك أسباب مهمّة وراء انهيار المباني - وفق خبراء استشاريين ومهندسين - في مقدمتها:
1- العمر الافتراضي للبناء : والذي يحدده المهندسون بـ( 50 )عاما ، وبعد هذه السنوات فان المباني بحاجة الى صيانة وتدقيق - هذا اذا كانت المباني قد شيّدت وفقا للمواصفات الهندسية الصحيحة - وغير ذلك سيقل العمرالافتراضي للمبنى.
2-البناء بشكل مخالف للكودات الهندسية والمواصفات - وهذا ما أعلن عنه كسبب لانهيار مبنى السلط ايار الماضي -.
3-عدم اجراء الصيانة الدورية اللازمة للبناء ، ...وصيانة المباني غالبا ما يتم اهمالها خصوصا اذا كانت «مؤجرة» ، الامر الذي يقصّر من عمر البناء الافتراضي ويجعله قابلا للانهيار.. كما أن كثيرا من المباني تتأثّر بمياه الصرف الصحي ، والمياه الجوفية ، وحتى مياه الأمطار التي تفوق المتوقع وتتغلغل الى الأساسات ، وتخلخل التربة .. وغيرها من الاسباب الموجبة للصيانة الدورية للمباني عموما.
لذلك فان وقوع مثل هذه الحوادث غالبا ما يطرح أسئلة لا بد أن تكون لها اجابات عملية وميدانية لا تنتهي بانتهاء الحادثة وفي مقدمتها :
1- كيف السبيل لحصر المباني القديمة والمتهالكة؟
2- ..الأهم من ذلك كيف السبيل لالزام أصحاب العمارات السكنية القديمة ( المؤجّرة) من اجراء الصيانة اللازمة لها في واقع جدلية (من يدفع التكاليف :المالك أم المستأجر؟ والأصعب حالا حين تكون العمارة مباعة بكامل شققها ..فأي ملاّك تلك الشقق سيتحمل كلفة الصيانة واعادة الترميم)؟
في حادثة « اللويبدة يوم أمس كان هناك أكثر من مشهد:
- مشهد مسؤول : تجلّى بمتابعة حثيثة من نائب جلالة الملك ومن رئيس الوزراء والوزراء وأجهزة الامن العام ونشامى الدفاع المدني وأمانة عمّان ..وكافة الجهات المعنية .
- مشهد صعب: لوجود المبنى بين مبان سكنية صعّبت من إمكانية وصول الآليات الكبيرة لإزالة قطع الخرسانة الكبيرة ،الأمر الذي شكّل معاناة للدفاع المدني في انقاذ المصابين، يضاف الى ذلك ضرورة التعامل بحذر مع الموقع خشية حدوث انهيارات أخرى في المبنى المنهار قد تؤذي من يمكن انقاذهم.
- مشهد مقدّر.. من خلال توجيهات رئيس الوزراء المباشرة باخلاء سكان العمارات المجاورة وتوفير المسكن اللازم في حال الخشية من تأثرها بالمبنى المنهار.
بقي ان أشير الى أمرين:
- الأول: أن لدينا مباني قديمة ومتهالكة في عمّان (خصوصا الشرقية ووسط البلد ) وفي الزرقاء واربد وغيرها من المحافظات تستوجب فحصا هندسيا ،وهذا يتطلب جهدا من أمانة عمّان والبلديات وبالتعاون مع نقابة المهندسين والمكاتب الهندسية وكافة الجهات المعنية.
الثاني: الاستفادة من تجارب دول عربية ومنها (مصر والمغرب ) اتخذت خطوات متقدمة وأنشأت صناديق لتطوير المباني المهددة بالانهيار.
(الدستور)