قراءة في "معجم العشائر الأردنية"
عامر طهبوب
13-09-2022 09:54 AM
التقيت في نيسان عام 2015 في منزل المثقف السعودي الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجا في جدّة، بالأديب أحمد أبو دهمان، صاحب "الحزام" التي صدرت عن دار الساقي في لندن، وقبلها بالفرنسية عن "غاليمار"، وفي معرض حديثه عن طفولته قال لي: "كانوا يعلموننا أنسابنا قبل تعليمنا القرآن الكريم"، كنت وما زلت أسأل نفسي عن أهمية معرفة المرء من أين أتى، وعن مصداقية الأنساب والأشجار وسرديات الأعقاب، وذلك أمر لا يمس، ولا يجب أن يمس مفهوم المواطنة.
وفي الثاني من آذار من هذا العام، أهداني مشكوراً دولة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة كتابه القيّم: "معجم العشائر الأردنية"، وكان لا بد لي أن أقدر هذه الهدية، وأن أثمنها، وأقدر الجهد الذي بذل من أجل إنجاز هذا العمل في عشر سنوات، وأن أقرأ الكتاب الذي يعد كتاباً في تاريخ الأردن، عكفت على قراءة المعجم النفيس، وقررت كتابة قراءتي، تعميماً للفائدة، وتحليلاً لهذا المكون الأردني الثري الذي جعل من هذه البقعة الجغرافية من بلاد العرب، أرضاً للعرب، فاتصلت بالعم "أبو عصام"، واستأذنته في الكتابة، فتكرم وأذن.
أخذت أتتبع حركة القبائل العربية في الصحراء، يقل الكلأ والماء، ويأتي القحط، وتأتي الهجرات، واستذكرت ما قاله الدكتور عبد الرحيم بدر في وصف خوف البدوي من الضياع، ومن التيه في صحراء ممتدة، يحرص على دليل يرشده ويهديه، ولأن عصف الرمال يغير ملامح الأرض، فلم يطمئن البدوي إلا إلى السماء، لم يكن يأتمن الأرض، وإنما نجوم السماء وأفلاكها، كأنني كنت ذلك البدوي وأنا أتنقل من صفحة إلى صفحة، ومن مسيرة قبيلة، إلى هجرة عشيرة، لعشرات أسباب معروفة وغير معروفة، وتوقفت عند نوادر في تاريخ بعض العشائر، ومنها "الخريسات" في الجنوب الذين ينتسبون إلى جد مسلم، وآخر مسيحي، عمل المسيحي لدى المسلم، رحل المسلم، فاعتنق المسيحي الإسلام، وتزوج أرملة صاحبه، وأنجب منها اثنين من الذكور.
وجدتني أبتسم عندما وقفت على حقيقة أن "البشتاوي"، و"الصقور" وغيرهما، سكنتا على ضفتي النهر، أقام "البشتاوية" على ضفتي النهر في غور بيسان، وفي أغوار الأردن الشمالية، وخرج من الأصل فروع عشائر عديدة منها الشحيمات، والعمري، والشكور، والشمالي وغيرهم، وكذلك "الصقور"، التي انتشرت عشائرها على ضفتي النهر، وابتسمت مرة أخرى، وأنا أستذكر صديقتي نضال الربضي وهي تناديني: يا ابن العم، ويقال أن أصولنا تلتقي في مكان ما، والربضية من العرب الغساسنة، وهم سكان عجلون الأقدمين حتى سميت القلعة باسمهم: "قلعة الرّبض".
إن معظم القبائل الأردنية الكبيرة، والعشائر المعروفة، جاءت من بلاد الحجاز، واليمن، والجزيرة العربية، سواء إلى شرقي الأردن، أو إلى بلاد الشام والعراق، قبل مئات السنين، ومنها إلى الأردن، ثم أخذت تتنقل من الجنوب إلى الشمال، أو من السلط إلى عمان، وهكذا العائلات التي استوطنت البلاد منذ قرون، فتجد على سبيل المثال، "أبو جودة" في مادبا، جاءوا من السلط، و"أبو خجيل" في عمان، وفدوا من الكرك، و"أبو دويرية" في "كفر الما"، جاءوا من قرية "تبنة"، و"أبو دية" هاجروا من الشوبك إلى القدس، وجاء جدهم كاهناً إلى الفحيص في القرن السابع عشر، وهو والد "مريم" التي من أجلها قتل "جودة" أمير المهداوية ورجاله على يد "العدوان" وأهل الفحيص، وتجد "أبو خضير" في "النعيمة" جاءوا إليها من "الهاشمية" في عجلون، و"أبو طبنجة" في "الشجرة"، جاءوا من "كفر الما"، و"أبو عاشور" في إيدون، قدموا من "صمد"، و"أبو عاقولة" في الرمثا، يعودوا إلى "العقايلة" - في معان، والعكايلة من الطفيلة - و"أبو عليك" في "المشيرفة" و"إيدون"، هم من "الصرايرة" في الكرك، ومؤلف هذا المعجم، دولة العم "أبو عصام"، ينطبق على عشيرته هذا الأمر، فعشيرة الروابدة الكريمة في "الصريح"، فرع من "الصرايرة" في الكرك التي تنتسب إلى "الوحيدات" من قبائل بني عطية، هاجرت من الحجاز إلى الطفيلة.
وهكذا ينسحب الأمر على "الخواطرة" في مادبا، قدموا من الكرك، و"البراسنة" في "دير السعنة"، أصلهم من قرية "برسينيا" القريبة من "دير السعنة"، ونجد أن "التويجريين" في الطفيلة، هاجروا إليها من الشوبك، وأن "الحصيني" في "جنين الصفا" في لواء الكورة، هم فريق من عشيرة العتوم التي خرج منها زوج ابنتي "فرح"، ونزحوا من "سوف" والأمثلة على الهجرات الداخلية كثير.
تعود كل العشائر العربية الأردنية المعروفة، إلى بلاد اليمن أو الجزيرة العربية، كما يبين "معجم العشائر الأردنية" الذي ألفه عام 2010 دولة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة، ولكن عشائر أخرى أو "حمايل" أقل عدداً، جاءت أيضاً من تلك الأنحاء، ويعود نسبها إلى قبائل في بلاد العرب، تنتسب إلى عدنان، أو غسان، أو قحطان، أو عنزة، أو شمر، أوغيرها من القبائل، ومنها ابداح، والإبراهيم، و"أبو حمودة"، و"أبو حديد"، و"الدلابيح"، و"أبو راجوح"، و"الرمامنة"، و"أبو سحيبان"، و"أبو شام"، الذين جاءوا من مكة إلى نابلس، ومنها إلى عمان، و"أبو عبيد" في الحصن، وهم من أهل الطائف، و"الغنيمات" و"أبو هيال"، و"الإعيدة" في دير أبي سعيد، و"البدارين" في الكرك، و"البدور" في الشوبك، و"الزغيلات" من حلف "القرالّة"، و"البركات" في النعيمة، وقد جاءوا من الحجاز إلى الكرك، وأبناء عمومتهم الهنداوي، والناصر، والخلايلة، والياسين، والقطيفان، والحلالشة، والحلوش، وهم جميعاً أخوال الخصاونة.
"البشارت" في "كفر ابيل" هم فرع من المهيرات من عبّاد، وأصولهم نجدية، و"البشارات" المسيحية تنتسب إلى عشيرة القرّة النابلسية، وهم غساسنة، وكذلك "البطوش" من الإحساء، و"البلاونة" من بطون قضاعة القحطانية، نزلت في الشراة، ورحلت إلى غور نمرين، "بني حميدة" قحطانية وعدنانية الجذور، و"اللبادنة" من الحجاز أيضاً، وكذلك قبيلة "الديارنة" وعشائرها ومنهم الشخانبة، والمحاميد، وغيرهما، و"بني خالد" التي تنتسب إلى خالد بن الوليد، وتعدد انتشارها وانقسمت إلى أفخاذ كثيرة. "بني عيده" في "ريمون"، و"بني عطية" في القطرانة، والمدورة في عجلون، و"بني عواد" في "عنبة"، و"بني هاني" في "البارحة"، و"كفر يوبا"، و"البواعنة" في "مرو"، و"علعال"، و"كفر أسد" من بطون قضاعة، و"التلول" من عشيرة الزيادنة العدنانية في نجد، و"الجرادات" في "بشرى" و"سال" و"سوم"، و"الحتاملة" في "كفر يوبا"، و"الحجازي" في العقبة، و"الحوارث" في الشوبك، و"الخصاونة"، و"الخلايلة" في "النعيمة"، و"الشرايري"، كلها عشائر جاءت قبل مئات السنين من جزيرة العرب، أو من اليمن كما "الشديفات" .
وجاءت عشيرة بني عطا الله التي سكنت قرية "الهاشمية" وأقاربهم في المزار الجنوبي، من قبيلة النواسي اليمنية، وكذلك "الجدوع" في السلط، و"الحجات" في كفر سوم وحرثا، و"الحدادين" من أزد اليمنية، وهاجرت عندما انهار سد مأرب، و"الحضرمي" من حضرموت، و"الحمارنة" في مادبا، وكذلك "السقاف" الذين قدموا مع الملك عبد الله الأول من الحجاز، و"أبو جسار" من اليمن، و"أبو حشيش"، و"أبو قورة"، جاءوا من اليمن إلى دمشق، ومن ثم إلى السلط عام 1887، ورحل الأعقاب إلى عمان، وعشيرة "ازمقنا" يمنية الجذور من حضرموت، وسكنوا عمان، والطنيب، والحصن، ومثلهم "البريهي" في العقبة، و"البستنجي" في منشية أبو حمور، و"الجوازنة" في قرية جوزا، والذين سكنوا "كثربا" ومنهم الحلالمة، و"التخاينة"، و"الضلاعين"، و"البسوس" في "كفر سوم" من حمير في اليمن.
وعندما يروي دولة العم "أبو عصام" نسب العشائر والقبائل والحمايل، فإنه يحرص على عدم الجزم في أحيان كثيرة، يقول: يقال، وهناك من يقول، وعلى الأغلب، وأغلب الظن، ويرجح، وربما، فقد يكون من الثابت أن "الخليفات" في السلط من اليمن والحجاز، وأن "السرحان" من قحطان، و"السردية" من عشائر أهل الجبل، لكنه قد لا يكون من الثابت نسب بعض القبائل أو العشائر التي يمكن أن يقال أنها من أعقاب الصليبيين أو الهكسوس. المسألة قابلة للمتحرك، والاجتهاد، وما يحتمل الصواب، قد يحتمل الخطأ، وعلى سبيل المثال، يعتقد أن "شحاتة" في العقبة من أسيوط، و"الشناوي" في العقبة من بنها، والفيومي من الفيوم، و"البيومي" في العقبة، وكان جدهم قائد قلعة العقبة، و"الكباريتي" من "كبريت" في صعيد مصر، و"عبد الجواد" في العقبة من المنيا، و"البسيوني" كذلك، و"البلبيسي" من "بلبيس" في مصر، و"الجيزاوي" من الجيزة، و"الخواجا" من صعيد مصر، و"السلامات" من الزقازيق، و"المصاروة" في مادبا من "الشرقية"، و"أبو العز" في العقبة من أنشاص في نواحي المنصورة، و"أبو عياط" في العقبة"، و"أبو رضوان"، و"أبو ركبة"، و"أبو لمظي" في مادبا"، و"أبو مرعي" في سحاب" و"اسكندراني" من الإسكندرية، وكذلك "الألفي"، و"البدري" في العقبة، وأصلهم من الحجاز، وهاجروا من مصر.
ويعتقد أن "الكلداني" في مادبا تعود جذورها إلى العراق، وقدموا عام 1895، وأن "الطباع" من العراق، نزح جدهم إلى دمشق قبل قرون، ومنها جاء أعقاب إلى الأردن، وكذلك "الموصلي"، و"النوري" و"بسيسو" الذين سكنوا غزة، و"البصول" في البارحة، وهم أبناء عمومة الكوافحة، وكذلك "البنادرة"، و"خضير" في دير السعنة من نينوى.
وعلى هذا السياق، فإنه يظن أن "االبخاري" قدموا من بخارى، أو طاجيكستان الحالية، وأن "أرناؤوط" ألبان جاءوا عسكراً مع الجيش التركي، ويظن أن "الأورفلي" من مدينة بين النهرين في تركيا، وكذلك "البواليز" في الكرك، يعودون في أصولهم إلى البوليس التركي الذي كان يعمل على حراسة قلعة القطرانة، وجاءت اللفظة من "بوليس" ومن الثابت أن الدكتور جميل التوتنجي أول وزير صحة في الأردن، وطبيب جلالة الملك في العهد الفيصلي، من مواليد إزمير، وجاءوا إلى حمص، ومنها إلى الأردن، ويظن أيضاً أن عائلة "الجندي" في عمان من أصول تركية، و"حكمت" في الزرقاء، و"السويركي، و"ظاظا".
يظن أن عائلة "أبو يونس" في العقبة من تونس، و"البرارشة" في الكرك من ليبيا، ومنهم الرماضنة الذين يتفرع منهم الكساسبة، والرواشدة، والختاتنة، كما يظن أن "البراوي" في العقبة من سوسة المغربية، وكان جدهم قائد قلعة الكرك سنة 1882، ونستمكل في المقالة المقبلة الحديث عن العائلات التي وفدت من فلسطين ولبنان وسوريا، وما سقته وأسوقه من ذكر أسماء، ليس إلا مستلاً قليلاً من كثير لا يمكنني عرضه في مساحة محدودة، وهو ليس إلا أمثلة قصيرة في سياق طويل، تكشف عن هذا التنوع الثري الذي شكل الفيسفساء الأردنية، ولا أُغفل إخواننا الشركس والشيشان، الذين شكلوا حجر أساس في تكوين الأردن الحديث منذ بداية القرن الماضي.
لا غرابة أن تنشا علاقة خاصة في جغرافيا جعلت شرقي الأردن في تاريخة جزءاً من سوريا الطبيعية، وأن تلحق بعض أنحائه بدوائر الحكم في درعا أو دمشق أو حوران، ولا غرابة أن تجد أن تجار الشام كانوا من أوائل من أسس سوق السكر في عمان، وقد خلقت هذه العلاقة تجارة، ومصاهرة، كما أن دمشق كانت وجهة للعلم والتعليم، وكانت الهجرات في تلك الحقبة التاريخية، وحتى بعد تأسيس الدولة عام 1921 متعددة الأسباب، والعائلات الأردنية ذات الأصول السورية كثيرة، وأسهمت في نهضة البلاد، وكانت جزءاً من هذا التكوين الاجتماعي الثري، ومنها "ابو غنيمة"، من دمشق، و"أبو ريشة الذين سكنوا شفا بدران كانوا زعماء في قومهم، و"أبو الراغب" الذين سكنوا السلط جاءوا من حماة، و"أبو الذهب"، و"السعودي" و"الحلبوني" في إربد، كلها عائلات جاءت من دمشق، وقد سكن "الحلبوني "حلبون" اشترى جدهم فيها أراض بعد أن هاجر من حلب.
وهكذا تجد "الحلو" في السلط من "مشتى الحلو" بين اللاذقية وحمص، و"الحلواني" من الشام، و"الشامي" في السلط، و"أبو حسن" الذين سكنوا "الكورة" من "سعسع"، هاجروا إلى فلسطين، ومنها إلى "كفر ابيل"، و"أبو حويج" من دير الزور، و"أبو دلو" الذين سكنوا إيدون والصريح وصمد، هم من عرب بلاد الشام من قحطان، و"أبو سروان" في الصريح، و"أبو العسل" في "سحم"، و"أبو غنمة"، و"أبو غنمي" من سوريا، و"إدلبي" في عمان من حي الميدان في دمشق، وكذلك "العبايسة" في الحصن، و"الأزرعي"، وهم من العزيزات الغسانية، وسكنوا إزرع في حوران، و"آغا" في إربد، جاءت من دمشق، وعمل جدهم أول رئيس بلدية لإربد عام 1880، و"الحلايبة" من حلب، و"أفرام" في الحصن، وهم من أصل سرياني، و"الأمعري" في إربد، و"الخلف" في دير أبي سعيد، و"أيوب" في الحصن، قدموا من حوران وسكنوا "سوم" والكرك، ومنهم "قاقيش" في السلط، وكذلك "أيوب" في عنجرة، و"بركات" في مادبا، و"بدير" في عمان، ولهم علماء في القدس، ومكتبة عرفت باسم "البديري"، و"البرم" في الرمثا.
أضف إلى كل هذه العائلات الكريمة، "السهاونة"، وهم من قرية "السهوة" في حوران، و"ظبيان" و"سوسان"، و"السويدان" و"الطرابيشي"، و"شاكر" في عمان، وجدهم جميل شاكر الخانجي، و"الشامية" في المزار الشمالي، و"الشاويش" في الشوبك، و"الشبار" في إربد، و"شرار"، و"شقير"، و"شيخون"، و"قندح"، و"كحّالة"، و"ناصيف" و"الكردي" و"مرزوقة"، و"العظم"، و"فريز"، و"العلبي"، و"الهبهب، و"الفانك" وهما من "عولم" في الجولان، و"الحماصنة" في "سوف"، و"الحمادات" في راجب"، و"الحوراني" في "سوف"، و"ديرانية" و"الذهبي"، و"الساطي"، وكان شوكت الساطي طبيب الملك الخاص، ومن رواد الأطباء في عمان، وكذلك "سركيس"، و"الزركلي"، و"سكريّة"، و"السخني"، و"الحمصي"، و"خلف" في دير أبي سعيد، و"البيطار" و"تادرس"، وأصلهم يوناني.
لا ننسى "جبري"، و"البطيخي"، و"جدعون"، و"حاجة"، و"بيبرس"، و"بيرقدار"، والبيرقدار بالتركية هو من يحمل علم الجيش، وتعني "صاحب العلم". وكذلك "البعلبكي"، و"البلاسمة" في الرمثا، و"البلص" في الحصن، و"البطارسة" في سوف، و"البزايعة" في معان، و"البشايرة" في صما، وكفر أسد، وغيرهم كثير.
ومن "ظهور الشوير" في لبنان، جاءت "الحاوي" إلى الحصن، وجاء "الحرافشة" من منطقة البقاع، و"حشيشو" من صيدا وصور، و"حيمور" من البقاع الغربي، و"خنجر"، و"سمور" في عجلون، جاءوا من "راشيا"، و"الأفيوني" من طرابلس، و"البقاعي" من البقاع الغربي، و"بيضون"، وهم من الخزرج الذين شاركوا في فتح الأندلس، و"إندراوس"، و"عماري" و"السنكري" في إربد، و"الفراج" في دبين والسلط.
علاقة الأردن بفلسطين، علاقة وحدوية لحمية معقدة، أنقذ الجيش العربي الجزء الشرقي من القدس عام 1948، وأصبحت الضفة الغربية، جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، في وحدة لم يسجل التاريخ العربي لها مثيلاً، وإن كان هناك عشائر وعائلات فلسطينية عاشت في الشطر الشرقي من النهر قبل عام 1948 بسنوات طويلة، إلا أن الهجرة الحقيقية من غربي النهر إلى شرقية، بدأت عند صدور قرار التقسيم، وبدء الصراع العسكري مع العصابات الصهيونية، وتساقط المدن في الشمال الفلسطيني واحدة تلو الأخرى.
ولعل "المجالية" الذين جاءوا من الخليل، كونوا قبل مئات السنين قوة في الكرك، ويقال إن "المبيضين" من الخليل أيضاً، و"الهامي" في "هام"، و"أبو السندس"، و"الحلايقة"، و"العمَد" في السلط، و"الطرمان"، و"الشحادة" في دير أبي سعيد، و"البطايحة" في الصريح، و"الجغبير"، و"الحياصات" في السلط، وقد جاءوا قبل أكثر من مائتي وخمسين عاماً، و"طبّلت" و"الشواورة" كذلك، و"الحوامدة" في سوف، و"الفاعوري" في إربد، و"أبو الفيلات" في الكرك، و"البيتاوي" في النعيمة"، و"التيهي" في الكرك من "الدوايمة، و"البعارنة" في السلط، كلها عائلات يعتقد أنها جاءت من الخليل.
ومن نابلس جاء "بدران"، و"خماش"، و"النابلسي"، و"المصري، و"طوقان"، و"الخموس" في المغير، و"الدحلة" و"كوكش"، و"البسطامي" في السلط، وتحالفوا مع "الفواعير"، واستقروا في عمان. و"الدقامسة" في "إبدر"، و"الحواري" في الحصن، و"الحواورة" في "باعون"، وهما من حوّارة نابلس، و"شموط"، و"حلاوة"، و"القاسم" في عمان، و"القاعود" في الصريح، و"عصفور"، و"الجقّة"، و"القريوتي" من "قريوت" قرب نابلس، و"الحايك" في معان - الحايك في الطرّة من حوران، والحايك في عمان من دمشق - و"جردانة"، وأصلهم من الدويكات الخليل، و"أبو حورية" في جديتا، و"ابو زيتون" في دير أبي سعيد، وهم من "زيتا"، و"أبو زيد" في إربد، وصاهروا "التلول"، و"أبو الجزر" من زواتا في نابلس، و"تفاحة"، و"البوريني" في النعيمة من "بورين"، وغيرها من عائلات كريمة ذات أصول نابلسية.
واستناداً إلى "معجم العشائر الأردنية" الذي لم يحسم مؤلفه النسب والحسب، ولا الجذور والأصول على نحو جازم، ولم يقصد، لا هو، ولا كاتب هذه السطور، إلا خدمة تاريخ البلاد، وإظهار هذا الغنى في التنوع لمكون أردني ثري وومتعدد الأصول، وضع مصلحة الوطن العليا مظلة فوق رأسه، وأؤكد مرة أخرى، أن هذه السلسلة من المقالات، ليست سوى مستلّة لأسماء عشائر و"حمايل"، ولم تتناول على الأغلب القبائل الكريمة والعشائر معروفة الأصول، ثابتة القدم في الأردن منذ قرون.
ويذكر المؤلف أن عائلة "السخن" ، جاءت من يافا، و"الحنون" في الحصن من طبريا، و"أبو الحجل" في حرثا، من "ارشيد" جنين، و"أبو رحمة" من شفا عمرو، و"أبو معالي" في الصريح من المزيرعة قضاء اللد، و"أبو كشك" في "سوف" من قضاء يافا، و"البرابرة" في لواء الكورة من طولكرم، وكذلك "الشوملي"، والصفدي في "حرثا" من صفد، و"عازر" في الحصن من الناصرة، و"السنجلاوي" في الصريح من "سنجل"، و"شعشاعة" من غزة، و"العورتانية" في "بيرين" الزرقاء، من "عورتان"، و"شريم" في عمان من قلقيلية، و"الكسواني" من بيت إكسا، و"العياصرة" في "ساكب" من "عصيرة الجنوبية"، وغير ذلك كثير.
لا يمكنني، لا أنا ولا غيري، من أبناء هذا الوطن، أن يغفل الدور الذي لعبه الشركس والشيشان في تأسيس الدولة الأردنية، قدّرت المقادير لهذا الشعب الآري العظيم، أن يهرب من موطنه في الجزء الشمالي من القفقاس، لحماية حياة أبنائه، وسلامة معتقده، وحريته، ويتألف الشركس من مجموعات من أصل واحد؛ الأديغة، والأبخاز، والأباظة، والأوبخ، ولما تنازلت روسيا عام 1829 عن "شركسيا"، واستمر الصراع مع الروس حتى عام 1864، ارتكبت خلالها روسيا الفظائع ضد الشركس، هاجروا إلى أراضي الدولة العثمانية ابتداء من عام 1864، ودامت هجرتهم أربعين عاماً، رحلوا قسراً من الأناضول إلى ولاية سوريا بعد مؤتمر برلين عام 1878، فسكنوا المنطقة الممتدة من حلب إلى حمص، والجولان، وعمان.
كانت "الشابسوغ" أول قبيلة شركسية هاجرت من تركيا بحراً إلى عكا عام 1878، هذا ما يذكره دولة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة في "معجم العشائر الأردنية"، وأنهم انتقلوا إلى نابلس، وتم ترحيلهم قسراً إلى الأردن، استوطنوا في عمان في المنطقة المحاذية والمحيطة بالمدرج الروماني، فنشأ "حي الشابسوغ"، وهاجر عام 1880 جماعات من قبيلتي "القبرطاي"، و"البزادوغ"، فاستوطن "القبرطاي" في الجهة المقابلة لحي الشابسوغ على الجزء الشرقي من جبل عمان، فنشأ "حي القبرطاي"، فيما انتقل "البزادوغ" إلى وادي السير.
قدمت إلى عمان عبر دمشق، عام 1900، جماعات أخرى من "القبرطاي"، وسكنت في راس العين، فنشأ "حي المهاجرين"، وقدمت عائلات أخرى عام 1901 من ا"لأبزاخ"، و"البزادوغ"، فبنوا قرية ناعور، ثم عائلات من "القبرطاي" عام 1904، سكنت صويلح، ثم الرصيفة عام 1906، وسكن بعضهم جرش، وخرجت من "القبرطاي" عائلات: المفتي، وشقم، وأزوقة، وأبِدَه، وطاش، ودخقان، وشقمان، وتوقة، وتوق، وأبيوقة، ومولا، ومامسر، وغيرها، وجاء من "البزادوغ" عائلات" خواجا، وقوجق، وهاكوز، وإسحاقات، ودهشان، وخمش، وغيرها، وجاء من "الشابسوغ" عائلات: خورما، وجانبِك، وشواش، وغيرها، ومن "الأباظة" التي استوطنت جرش عائلة "حوبش"، ومن العائلات الشركسية المعروفة أيضاً "مامكغ"، و"حاتقوي"، وغيرهما، ولعب الشركس دوراً كبيراً في الثورة العربية الكبرى، وفي تأسيس الإمارة، ونهضة البلاد، وأهل البلاد الأولين يذكرون عربات الشركس، كما يذكر التاريخ إخلاصهم، ووفاءهم، ومساهماتهم في نهضة البلاد.
وأما "الشيشان"، فقد كانت الزرقاء أول قرية يصلون إليها عام 1902، وهم الذين أسهموا في تأسيس قرية صويلح بعد رحيلهم من الزرقاء، ولكنهم سكنوا "السخنة"، وصويلح، والأزرق، وعمان، ومن عائلات الشيشان المعروفة: أرسلان، وعثمان، وباكير، وبينو، وحمّو، وشيخو، وغيرهم، وأسهموا كما الشركس في نهضة البلاد، وفي تشكيل هذه الفسيفساء التي ضمت فيما ضمت التركمان والأرمن والداغستان.
والتركمان اسم عشيرة من عشائر البلاد، وهم من بادية الترك، أول من أسلم من الترك في القرن الرابع الهجري، انتشروا في شمال غرب إيران، وشمال شرق الأناضول، وجاءوا إلى البلقاء نحو عام 1874، نزلوا في قرية "الرمان"، ومنحتهم الحكومة العثمانية أراض، وعاشوا على الزراعة وتربية الماشية، استوطن بعضهم "اللجون" و"عين الحمر" في الفحيص، إلا أنهم رحلوا في معظمهم عند انسحاب الأتراك، وعمل بعضهم مزارعين عند الملك المؤسس طيب الله ثراه.
وأما الأرمن، فحكاية طويلة، موطنهم الأصلي أرمينيا في المنطقة الشمالية من آسيا الصغرى، قام صراع عنيف بينهم وبين الأتراك عام 1915، ما يعرف بمذبحة الأرمن، هاجروا جماعات براً وبحراً إلى بلاد الشام والعراق، كانت حلب محطتهم الأولى، ومنها انطلقوا إلى العمق السوري، وإلى لبنان وفلسطين، والأردن، والعراق، ومصر، ووصلت أول جماعة من الأرمن عام 1915 إلى عمان، واستمرت الهجرات حتى عام 1918، وصل بعضهم إلى أغوار الكرك، وتزايد وجودهم بعد الهجرة من فلسطين عام 1948، 38 عاماً عاشوها في فلسطين، ليهاجروا من جديد، بنوا حيهم الخاص في عمان، وكنيسة جلبوا بعض حجارتها من أرمينيا، وتعلقوا بوردة "المروك"، ولم تزل من عقول أبنائهم مشاهد الهجرة والألم، ولكنهم وجدوا في الأردن حضناً وحنية، والأرمن شعب مبدع، خلاق، جلبوا الساعات إلى عمان، وتاجروا في المجوهرات، واحترفوا فن الرسم والتصوير، وكان من بينهم المصور الخاص، "زهراب ماركريان"، مصور الملك الحسين طيب الله ثراه.
ولا يغفل من المكون الأردني، "الداغستاني" وهم أبناء عمومة الشعوب القفقازية، اعتنقوا الإسلام، وثاروا على الروس، إلى جانب الشركس والشيشان، بقيادة الشيخ "شامل" الذي يذكره "رسول حمزاتوف" في كتابه "داغستان بلدي"، ولما غُلبوا على أمرهم، نزحوا إلى بلاد الشام، ومنهم عشيرة وصلت إلى عمان عام 1902، وسكنت صويلح وعمان.
لم يكن شرقي الأردن خالياً عبر تاريخه الطويل من السكان، وشكل شريان عبور للأنبياء، والرسل، والأولياء، والصالحين، والمتعبدين، والشهداء، واللاجئين، وطريقاً للحج إلى مكة والمدينة، أو إلى القدس الشريف، وممراً للتجار من فلسطين إلى الشام، والعراق، وأرض الحجاز، وتواجدت قبائل أردنية على هذه الأرض الشريفة منذ مئات السنين، استوعبت كل الهجرات، استقبلت كل الملهوفين، وناصرت كل المستضعفين من حولها، ولكن تأسيس الدولة عام 1921، كان حجر الأساس للدولة الحديثة التي تشكلت من هذه الفسيفساء التي أصبح الحضن الأردني وطنها، وليكون الأردن بحق، بلد النشامى والنشميات، والحصن المنيع الذي يدافع عن سلامته كل أبنائه، ويشارك الجميع في العمل على رفعة شأنه، وعزة أبنائه.