يعاني الإقتصاد العالمي من تبعات الحرب الروسية – الأوكرانية وكذلك من التوترات في الملف التايواني , مما يؤدي إلى ظهور متغيرات جديدة تؤثر على الإقتصاد العالمي خصوصاً في مجال الصناعة والإستثمار والسياحة , وذلك بسبب تراجع مفهوم العولمة والعقوبات التي تفرضها الدول فيما بينها, وتأثر لسلاسل الإمداد العالمية, نتيجة لذلك تبرز الفُرص في هذه المجالات السابقة لمن يريد أن يفكر خارج الصندوق من المسؤولين لإنعاش الإقتصاد وتسجيل نسب نمو مرتفعة للسنوات القادمة , كحلول فورية لا تحتاج إلا إلى إدارة ناحجة لهذه الملفات, والأردن مؤهل لإستقطاب هذه الفرص لموقعه الجغرافي المعتدل وإستقراره السياسي بفضل قيادته الحكيمة وكرم الضيافة للسائح وللمستثمر , وسنبدأ الحديث عن بعض من هذه الملفات .
1) السياحة: تساهم السياحة بنسبة مئوية متواضعة جداً من الناتج المحلي الإجمالي 2.9%بمساهمة قدرها 900 مليون دينار , نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية فقد أشارت إحصائية 2021 أن 536 ألف سائح روسي طلبوا تأشيرة الدخول إلى الإتحاد الأوروبي , وهذا الرقم إزداد هذا العام لكن لغاية الآن لم يتم إتخاذ القرار بمنحهم التأشيرة , من هنا يجب علينا في الأردن الإسراع لإستقطابهم وخصوصاً بأننا مقبلين على فصل الشتاء المُغري لهم في بلادنا , وذلك بعمل برامج سياحية دينية كزيارة المغطس وسياحية علاجية للبحر الميت وحمامات ماعين وعفرا والحمة الأردنية وأخرى إستجمامية في خليج العقبة , إضافة إلى زيارة البتراء ووادي رم وغيرها من الآثار, فلو تم إستقطاب 100 ألف سائح منهم بنسبة تشكل أقل من 20% ممن يريدون الذهاب إلى أوروبا, ولو فرضنا أن هناك برامج يتم إعدادها لهم لمدة إسبوع , وبفرض أن إنفاق الفرد الواحد منهم شامل جميع تكاليف الرحلة مبلغ 1000 دينار , فإنهم سيساهموا بمبلغ 100 مليون دينار في القطاع السياحي أي أكثر بقليل مما تم تقديره بالزيادة السنوية لمساهمة السياحة السنوية حسب رؤية التحديث الإقتصادي الخاصة بالسياحة.
2) الصناعة : هناك مصانع وشركات كثيرة تم إغلاقها في أوروبا أو تفكر بالإغلاق قريباً نتيجة الإرتفاع الشاهق بأسعار الطاقة وصعوبة الحصول عليها في بعض الأحيان نتيجة للحرب الروسية – الأوكرانية , ومصانع أخرى أوروبية أغلقت وإنسحبت من روسيا نتيجة الحصار الإقتصادي, فلو تم إستقطاب بعض هذه المصانع والشركات أو فروعها ونقلها للأردن من خلال علاقات الأردن المتميزة مع الإتحاد الأوروبي, فهذه المصانع تسطيع أن تُشغّل الأيدي العاملة العاطلة عن العمل بعد تلقيهم التدريب المُناسب .
3) الإستثمار: نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية وكذلك الأزمة التايوانية , دفعت بشركات عملاقة ومستثمرين أوروبيين وصينيين وروسيين للبحث عن دول مستقرة بعيدة عن الحروب والأزمات السياسية للإستثمار وعمل مشاريع كُبرى بمبدأ BOT , إضافة إلى هروب بعض الصناديق الخليجية من أوروبا لضبابية الإقتصاد الأوروبي في الفترة المقبلة.
4) النقل اللوجستي والتخزين: الموقع الجيوسياسي للأردن يؤهله ليكون قاعدة للنقل اللوجستي والتخزين بين الشرق والغرب في ظل هذه الظروف , وبين الشمال والجنوب , ليشمل ثلاثة قارات.
5) التعليم والتدريب الفني والإداري والتكنولوجي :يستطيع الأردن إستقطاب التعليم والتدريب الفني والإداري والتكنولوجي والدورات التدريبية المتنوعة من خلال الشركات الخاصة والمؤسسات والهيئات الدولية وخصوصاً الأوروبية .
6) إنتاج مصادر للطاقة النظيفة وتصديرها لأوروبا من خلال إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره بالناقلات على شكل غاز مسال من خلال خليج العقبة أو من خلال خط الغاز الدولي.
إن إستقطاب هذه الفرص جميعاً بحاجة إلى تظافر جميع الجهود في القطاعين العام والخاص , وبحاجة إلى فريق إقتصادي ديناميكي نشيط يستطيع أن يفكر بعمق إستراتيجي ويذلل المصاعب , لأن مثل تلك الفُرص لا تتكرر,فيجب التحرك سريعاً , والخروج من الروتين المكرر , لأن موازناتنا القادمة ستواجه مشاكل عديدة منها الزيادة السنوية في خدمة الدين والذي وصل إلى 36.524 مليار دينار في أول ستة شهور من العام الحالي , وكذلك الزيادة السنوية بدفع رواتب العاملين والمتقاعدين , إضافة إلى ثبات إسعار النفط المرتفعة للعام القادم والذي سيتراوح من 90 -100 دولار , جميهعا تُشكل تحديات ثقيلة وتؤثر على نسبة النمو الإقتصادي.