مع نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة تسلمت الملكة اليزابيث الثانية مقاليد السلطات الدستورية في المملكة المتحدة ومرجعية الكنيسة الانجليكانية ورئاسة الكومنويلث قبل سبعين عاما على وجه التحديد وهي المدة التي امضتها في قيادة بلادها الى ما وصلت اليه من مكانة تنموية غدت تشكل نموذج ومنزلة سياسية جاءت مؤثرة في بيت القرار العالمي نتيجة مشاركتها الفاعلة في رسم السياسية العامة للنظام الدولي السائد حيث ينسب للملكة اليزابيث الثانية الفضل في رسم نظام الضوابط والموازين الدولية التي تم بموجبه ضمان حرية حركة المجتمعات ضمن منظومة الافلاك الاقليمية السائدة بهدف حفظ الامن الاقليمي والسلام العالمي.
ولقد تميز نموذج حكم الملكة اليزابيث الثانية عن غيره من النماذج التي كانت سائدة من قبل تاريخ حكمها ظاهرة بالعنوان والقرار لكن النموذج السياسي الذي ميز نهجهها جاء عميق فصنع من الباطن ظاهر وفرق بين بيت القرار وبيت الحكم وهو ما جعل من عرشها يحكم العالم في الباطن وان كان لا يسوده الظاهر فشكل بذلك مرجعية القرار العالمي دون عنوان ظاهر قد يجعل من عرشها مستهدف او من بيت قرارها غير آمن مشكلا بذلك مرجعية سياسية وامنية ودينية عميقة في الطابع والمضمون والرسالة وهو ما جعل من نموذج الملكة اليزابيث الثانية في القيادة يشكل مرجعية للاستقرار العالمي ورمزية لبيت القرار الاممي وحاضنة للحكم والاحتكام الدولي.
وعندما تستقبل منطقة وست منستر جثمان الملكة اليزاليث الثانية ينتظر ان تشهد هذه المنطقة حيث البرلمان الاعرق عالميا تدفق معظم قادة العالم وسياسييه ليكونوا جميعا في وداع الملكة الانسانة التي حملت القيم الانسانية بسمو رفعة وتقاليد الحكم الملكية بعنوان مجد حتى جعلت من التاج الملكي العريق يكون محط احترام وعنوان تقدير للقادة والشعوب على حد سواء فاستحقت بذلك هذه الوقفة الرمزية من قبل الجميع.
والاردن الذي تربطه علاقات مميزة مع المملكة المتحدة منذ التأسيس وتربط الحكم الهاشمي علاقات استراتيجية مع التاج البريطاني قبل الحرب العالمية الاولى عند تكوين مملكة العرب وهو ما جعل من رمزية هذه العلاقة ذات طابع مميز بالشكل والمضمون ولقد ازدادت تعميقا وتأصيلا منذ ان استلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية حتى ان الامير وليم عندما زار المملكة قبل عدة سنوات قال لي امام السفير البريطاني السابق ادواردز ان العلاقات الاردنية البريطانية هي علاقة ذات طابع خاص وتحوي نموذجا فريدا لا يوجد له شبيه للعلاقات بين الدول.
واذ يشارك الاردن بريطانيا بهذا المصاب الجلل ويقف جلالة الملك في وست منستر ليكون في وداع الملكة الحكيمة اليزابيث الثانية فان الاردن سيبقي يعمل على ذات الارضية السياسية في عهد جلالة الملك تشارلز الثالث الذي تربطه مع الاردن علاقات راسخة كما مع جلاله الملك عبدالله الثاني وولي العهد الامير حسين علاقات مميزة وخاصة فان التاج البريطاني بما يحوي من رمزية ومرجعية يشكل حالة جناس مع التاج الهاشمي في الارث والتاريخ والارتباط الوجداني وهو ما يجعلنا نقف جمعيا في وداع الملكة.