لا يشكر الله من لا يشكر الناس!
د. سحر المجالي
02-10-2010 05:46 PM
قاد المهاتما غاندي مئات الملايين من الكادحين الهنود، من أجل عظمة واستقلال الهند من الاستعمار البريطاني. وغرس في وجدانهم معنى الانتماء للوطن والولاء لتاريخ الهند وعظمة تراثها ومستقبلها الواعد. واستطاع أن يخلق حالة توافقية بين مكونات الأمة الهندية، بغض النظر عن البعد الديني أو الطائفي أو الأثيني، و كان نبراس ذلك ورأس الأمر فيه هو الإخلاص في العمل وخدمة الوطن والمواطن. كما اعتاد «تشرشل» تذكير من حوله «بأن عظمة بريطانيا ستستمر ما دامت هوية الأمة هي الإخلاص في العمل والتفاني في سبيل خدمة الآخرين».
وقبل هذا وذاك جاء الإسلام العظيم كدين وعقيدة وتراث وهوية ليؤكد على الإخلاص في العمل، حيث جذر مفهوم «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» . كما أن قيمنا العربية الموروثة جعلت من الإخلاص للعمل والالتصاق بالوطن والدفاع عنه هي الفيصل في قياس معنى الوطنية والانتماء والتضحية للوطن والأمة.
أسوق ذلك، بعد أن شاءت الأقدار أن أتابع «معاملة جمركية» في ميناء العقبة، وكان ذلك اليوم هو يوم السبت (25/9/2010)، وبالرغم من أنه يمثل عطلة رسمية، إلا أن هذه الدائرة المنتمية والمخلصة في عملها، أنجزت في ذاك اليوم مئات المعاملات والتي كنت شاهدة على معظمها.
فمن خلال التعامل الرسمي من لدن منتسبي جمرك العقبة، سواء ما يتعلق باستقبال المراجعين أو الإجابة على استفساراتهم أو متابعة قضاياهم ومعاملاتهم الرسمية، تجد بأنك أمام أناس نذروا أنفسهم لخدمة الوطن والمواطن، بعيداً عن آفة المصلحة والجهوية والشخصانية والمزاجية في التعامل مع المواطن. كما يستشف المراقب بأنه أمام رجال مصلحة وطنية عامة أدركوا معنى واجبهم والمهام الموكلة إليهم، موظفين ذلك لخدمة الآخرين ورعاية مصالحهم المشروعة، و بطريقة تعكس مدى قدسية احترام المواطن والتي تعني بكل الأحوال احتراما للوطن والدولة وقيادتها.
وبالرغم من أن ذلك اليوم، كان يوماً عقباوياً شديد القيظ،، إلا أن حرارة الشمس التي جعلت من الزنود السمراء صخرة تتحطم عليها كل ما يقال إفكاً عن إخلاص الموظف العام، أقول بأن حرارة الشمس لم تثن هؤلاء الجنود المجهولين من القيام بواجباتهم الوطنية.
صحيح بأن جلد الذات مرفوض كفكرة وسلوك إلا أن الشفافية مطلوبة، وإذا كان أحد أوجه الشفافية الانتقاد البناء المقترن بمخافة الله، والهادف إلى الإصلاح والتطوير، فإن إبراز النقاط الايجابية لأداء الموظف العام هي الوجه الآخر للشفافية، من اجل الدفع باتجاه المزيد من العطاء وتجذير خدمة الوطن والمواطن، وتشجيع مفهوم التواصل في التضحية والإخلاص ونكران « الآنا».
وبالتالي فإنه لا يسعني إلا أن أقول للضابطية العدلية» الجمارك»، جزاكم الله عن الأردن وشعبه وقائده كل الخير، وأكثر من أمثالكم، وستجدون ذات يوم حين تلقون وجه ربكم بأن ما تقومون به من إخلاص وتفان في العمل قد سُجل في صفحاتكم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ولا يشكر الله من لا يشكر الناس.
Almajali74@yahoo.com
الراي