نتيجة رائعة للبتراء. لقد توقعنا أن تكون من عجائب الدنيا السبع ولكن لم نكن نتصور أن تأتي في المركز الثاني ولا يتفوق عليها إلا سور الصين العظيم مما يعني أن حوالي 60 مليون شخص صوتوا للبتراء وغالبيتهم العظمى من خارج الأردن. إنها نتيجة عظيمة وتثير الفخر لكل الأردن والعرب أيضا لأن حضارة الأنباط هي حضارة عربية عظيمة وليست أردنية فقط. مرت علينا في الأردن عشرات الأحداث والمناسبات والنشاطات والمواقف، ولا أذكر أنني قد وجدت إجماعا على مسألة ما بقدر ما كان التصويت للبتراء. بإستثناء الأقلية من اصحاب الفكر السلفي المتشدد وأقلية أخرى من هواة المناكفة واتخاذ موقف "خالف لتعرف" فإن كل الأردنيين على مختلف إتجاهاتهم الفكرية والثقافية وأصولهم كانوا متفققين على دعم البتراء والتصويت لها، وهو إنجاز يمكن أن نصفه بحد ذاته بأنه من "عجائب العالم" حتى لو خان الحظ البتراء في المسابقة الفعلية.
من الفريد الملاحظة بأن المدينة التاريخية الصخرية التي بناها الأنباط تفوقت على الأحداث والمواقف السياسية والاقتصادية لتجعل كل الأردنيين يساهمون بجدية في التصويت. نحن نختلف على كل شئ تقريبا، وهذا موقف صحي وديمقراطي خاصة عندما يتضمن احترام الرأي الآخر وعدم اللجوء لخرق القانون أو العنف ولكننا إتفقنا على أن البتراء، جوهرة التاريخ والثقافة والسياحة الأردنية تستحق أن تكون في لائحة عجائب العالم السبع.
إن فوز البتراء نجاح عظيم لأن دولة صغيرة مكونة من 5 ملايين نسمة وبدخل سنوي لا يتجاوز 4 آلاف دولار للشخص الواحد ونسبة اختراق للإنترنت لا تتجاوز 15% وجدت مكانا في لائحة الدول المستضيفة للعجائب السبع، وهذا يعني أن الإنجاز كان عالميا وليس أردنيا فقط لأن ملايين الناس في أوروبا وأميركا الشمالية واللاتينية وإفريقيا وآسيا وأستراليا صوتوا للبتراء وهذا في حد ذاته أمر يبعث على الفخر.
حملة التصويت الأردنية الداخلية كانت ممتازة، وباستثناء بعض الجزئيات المبالغ بها على الطريقة الأردنية الرسمية مثل صور الوزراء وهم يصوتون بالهواتف الخلوية في إعلان صفحة كاملة فإن حملة التصويت كانت منظمة ولم تكن تخاطب الناس بطريقة استعلائية أو تنظيرية أو تحاول إجبارهم على التصويت أو الإقتناع كما كانت حملات الأردن أولا وعلى قدر أهل العزم، إذ أن الإرادة موجودة مسبقا لدى الناس وكل ما يحتاجون له كان المعلومة والتذكير وبدون الوقوع في فخ التذاكي على المواطنين كما حدث في حملات سابقة.
لقد اثبت الأردنيون في عملية التصويت للبتراء حسن انتمائهم لهذا الوطن في حال أحسوا بالتقدير والاحترام وعدم التذاكي عليهم وفي حال كانوا يملكون القناعة في أن ما يقومون به صحيح وفي هذا درس قابل للتحليل والمراجعة من قبل منظمي الحملات السياسية التي لم تحقق مثل هذا النجاح سابقا.
السؤال المهم أيضا هو لماذا صوت ملايين الناس خارج الأردن للبتراء؟ ربما لعبت الحملات السياحية الأردنية عبر المحطات الفضائية العربية وبعض السفارات النشطة دورا ولكن من المؤكد أنه لو فازت البتراء فلن يكون ذلك بسبب حملة دولية مبرمجة بقدر ما هي قناعة لدى الناس في العالم بأن البتراء تستحق مكانها. هذا يعني أنه لو صوت للبتراء 60 مليون شخص تقريبا خارج الأردن فهذا يعني أنهم جميعا يودون رؤيتها وأن 20 مليون منهم يمكن أن يملك الموارد المالية الكافية لهذه الزيارة ويحتاج للمعلومات المفيدة حول آلية السياحة.
هذا يعني أن هناك واجب هائل لوزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة والسفارات والقطاع الخاص في الترويج للبتراء الأردنية وعدم السماح لأية دول أو شركات سياحية مجاورة سواء كانت إسرائيلية أو عربية بوضع البتراء في برنامج سياحة إقليمي تشرف عليه هذه الدول، لأن الملكية السياحية للبتراء يجب أن تبقى دائما أردنية الهوية.
الآن سوف تتسابق الكثير من الجهات لإعلان ملكيتها للفوز ودورها فيه، ولكن في خضم كل هذا الجدل أود أن اقول أن المواطن الأردني أولا هو صاحب النصر والإنجاز، حتى لو كان قد أرسلت صوتا واحدا عبر الهاتف أو الإنترنت أو وضع إعلانا لجذب الناس للتصويت أو نظم حملة على مستوة العائلة والقرية والمؤسسة. أنت عزيزي المواطن صاحب النصر ومبروك للبتراء في حال فوزها ومبروك لنا كأردنيين أننا كنا مشاركين في هذا الجهد الوطني العظيم الذي يستحق كل تقدير واحترام ونتمنى الآن أن يتمكن الأردن من استثمار هذا الجهد بطريقة مناسبة تدعم السياحة والتنمية.