هل يعي المؤثرين والنشطاء على وسائل التواصل بالتأثير المطلوب على عاتقهم
تهاني روحي
09-09-2022 11:21 AM
نشاهد يوميا ما يصبه المؤثرين على مواقع التواصل علينا من محتويات غريبة، ويذهب بعضهم إلى تنظيم جلسات تصوير لأحداث وهمية ابتدعوها كالموت وحوادث السير والمرض، ولم يبالوا بموجات الغضب على مواقع التواصل والتي لا تلبث ان تمكث يوم او يومين ليكتشف الأمر ومن ثم تهدأ العاصفة الالكترونية. ونشاطهم وابداعاتهم الخلاقة تمتد لأكثر بكثير من هذا لحصد المزيد من الاعجابات مما خلق فوضى أخلاقية على حساب الظهور الاجتماعي والمنافسة في حصد المزيد من (اللايكات) والشعبية.
قد يكون الفراغ هو في طليعة الاسباب، حين ينحصر تواصل الناس مع جهاز ذكي، ومن خلال مشاهدة فيديوهات قصيرة ( الريل والتيكتوك) لساعات طويلة، تقترح على المشاهدين اين يسافرون، وماذا يأكلون واي المطاعم يذهبون وماذا يلبسون؟ واصبح الاتصال مع العالم والمعلومات مشوها ومبتورا. وبات الكثير يتمنى أن يصبح مؤثرا ليحصل على شهرة وارباح ومزايا اخرى دون رسالة هامة خلف ذلك. انها قصة الكثيرين ممن يتحسرون وهم يتابعون بادمان وتعلق لحياة هؤلاء المشاهير.
أمام تزايد نفود المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد استطاعوا قلب الطاولة على مفاهيم الإعلام التقليدي أمام سيل الرسائل الإعلامية التي يضخها صناع المحتوى مستقطبين الجمهور والمعلنين. مستمتعين بخاصيات عديدة وفرتها التكنولوجيا الرقمية الحديثة بانشاء فيديوهات قصيرة عالية الجودة في الاخراج والتصوير والموسيقى والمونتاج، ليقوموا بسرعة هائلة بانشاء حوارات جماعية تضم أعداداً كبيرةً.
لقد مُنح الجنس البشريّ اليوم الوسائل الكفيلة بتحقيق الأهداف التي تجمّعت نتيجة النُضج المستمر في الوعي والإدراك. ووسائل التواصل الاجتماعي ماضية في طريقها في إحداث تغييرات عميقة في العلاقات الإنسانيّة ـ علاقات طالت الأفراد والعائلات والمؤسّسات العامّة وحتّى الشّؤون الدوليّة. وهي ظاهرة توضِّح كيف أنّ الثّورات في التقنيّة لا تُغيّر الأداء فقط بل تغيّر مفهوم المجتمع الذي نعيشه.
ولا تمثل مواقع التواصل الاجتماعي العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها اصبحت عامل مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي, في نظرة الإنسان إلى مجتمعه والعالم. فالمضمون الذي نتوجه به، لا يؤدي بالضرورة إلى إدراك الحقيقة فقط، بل يسهم في تكوين الحقيقة، وحل اشكالياتها. ولكن لكي يحدث التغيير في مجتمعاتنا، لا بد من أن يصاحبه تغيير في “الذهنيات والعقليات”.
ولان الحل لا يكمن في فرض قيود تلو القيود على ما ينشر، الا أن المسؤولية باتت أكبر على المؤثرين والنشطاء على وسائل التواصل لأن يعوا حجم هذا التأثير على عاتقهم لشريحة كبيرة من الافراد وخاصة الشباب وعلى مساهمتهم أن تكون واعية.
وفي خضم سيل المعلومات الجارف الذي يطالعنا به المؤثرين، سواء كانت مضللة أم حقيقية، واذا كنا مستائين من محتويات بعض المؤثرين على وسائل التواصل، علينا نحن كمتلقين أن نفهم محتوى ما يقدموه. فهذا الاستحواذ يدعونا ان نكون أكثر وعيا، ونرفض ونقاطع أي محتوى يستخدم أساليب الخداع والإغواء والتفاوض والتمويه الذي يمزج ببراعة احيانا بين ما هو عاطفي وإنساني أو اجتماعي أو ترويجي لتحقيق التأثير المطلوب على الجمهور.
ان هذه المنصات جعلتنا نستكشف المفاهيم الأساسيّة والتّطلعات الشّجاعة التي كانت غائبة إلى حدّ كبير عنا والتي تحمل في طيّاتها إمكانيةَ أن تُسفر عن لحظةٍ من وعي مجتمعي جماعي، وتجعلنا نتفكر في قرارة أنفسنا في امور أكثر عمقا.