الخلافات في العراق ومستقبله السياسي
عدي مزهر
08-09-2022 11:05 PM
مشاكل العراق كلها معقدة، وصلت ذروتها عند اقتحام أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر للقصر الجمهوري في بغداد، وإعلان حظر التجول في العاصمة.
تعود جذور القصة إلى الصراع الداخلي في الدولة والذي ينتهي بتدخل خارجي وهو ما يحدث في أغلب الدول، إذ بدأت الأزمة في العراق باجتياح خارجي من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية عام 2003، فظهرت جماعات مسلحة في المناطق ذات الأغلبية السنية، بعضها متطرفة كالقاعدة على عكس المناطق الشيعية والكردية، خصوصا وأن النخب المسيطرة على هذين المكونين بدت غير معترضة عليه.
إلى ذلك، بدأت ملامح الدولة الجديدة تتشكل مع تدخل جهات إقليمية ودولية، عربية وتركية وإيرانية وغيرها، ناهيك عن تواجد مكثف لقوات التحالف بقيادة أميركا، وكأن تقاسم السلطة صمم ليرضي الجميع، وهو ما عرف لاحقا بنظام المحاصصة ولكل فريق حصته من السلطة حيث الشيعة والسنة والكرد العرب والأقليات الأخرى.
فيما غلب عليها سيطرة التيارات الإسلامية الشيعية لانها كانت مدعومة بقوة مسلحة كانت تتواجد في إيران ثم انتقلت للعراق، مع وجود للتيار القومي الكردي في المنطقة الشمالية، وشبه اختفاء للتيار العربي القومي الأمر الذي أدى للقضاء على الحكم الجديد واصابته بالضعف وانتشار الفساد، ووسط هذه الظروف ظهر تنظيم الدولة الإسلامية – داعش وسيطر على ثلث مساحة العراق في أغلب مناطق العرب السنة جغرافيا.
في عام 2006، وصل نوزي المالكي الى سدة السلطة، وتولى منصب رئيس الوزراء الذي كان ينتمي لحزب الدعوة الإسلامية الشيعي، منذ دراسته بالجامعة في بغداد بسبعينيات القرن الماضي، ودخل في حكومته التيار الشيعي الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر في تحالف عرف بالاستراتيجي. وهنا ظهرت الخلافات بين الخطان الشيعيان من صميم الفكر والاعتقاد، فحزب المالكي يؤمن بخط الإسلام السياسي الشيعي الذي يرغب ببناء دولة إسلامية في مكان هيمنته يرتبط بايران وولاية الفقيه، أما الجانب الصدري الذي يعتبر حزبا محليا له قاعدة شعبية كبيرة ويرى أن مركز قوة التدخل الإيراني في الشأن العراقي باعتبار ايران كباقي الدول ذات مرجعية دينية محلية.
عقب هذا التحالف بدأ مسلسل يشبه روايات الاخوة الأعداء ووصل أوج الخلاف بين الحزبين لمعركة حقيقية عام 2008 بدعم الولايات المتحدة للمالكي وهو ذات العام الذي زار فيه بوش الابن العراق ، والقي عليه الحذاء.
وآنذاك كانت ساحة المعركة مدينة البصرة ووقتها قاد المالكي عملية عسكرية سميت ب " صولة الفرسان ". استهدف جيش المهدي بقيادة الصدر ولكلاهما ميلشيات مسلحة عددها بالالاف حينها أصدر المالكي تصريحا يعلل فيه الهجوم باعتبارها عملية سيطرة الحكومة على المدن الكبرى، وتركيز أسس الدولة التي يحق لها امتلاك واستخدام السلاح بالعراق، علما أن جيش المهدي دعا وقتها إلى مقاتلة القوات الاميركية مع تلاقيه بالقوى السنية.
وقدرت الخسائر البشرية خلال تلك المعركة من الجانبين ب 1500 قتيل و نحو 27 مليون دولار خسائر مادية، وهو ما أدى الى تعقيد الأمور عندما حوصر القصر الرئاسي من قبل جيش المهدي وفي داخله المالكي، ليرد الأخير بالطائرات الحربية والمروحيات لقصفه.
بعد 2014 لم يعد المالكي رئيس وزراء العراق، ليعود في العاشر من أكتوبر العام الماضي، ليكرر ترشحه في الانتخابات البرلمانية الخامسة في العراق بعد سقوط صدام، وشهدت هذه الانتخابات فوز الكتلة الصدرية بأكبر عدد للمقاعد البرلمانية بحصولها على ٧٣ مقعدا من أصل ٣٢٩ ، بينما حصد ائتلاف" دولة القانون" بزعامة المالكي على ٣٣ مقعدا فقط.
وأراد الصدر تشكيل حكومة " أغلبية وطنية" بالتحالف مع الكتل السياسية السنية والكردية، بشرط أن لا يكون المالكي جزءا منها،
ولكن الخصوم المعادية للصدر في الاطار التنسيقي في التحالف السياسي الذي يضم فصائل موالية لإيران أرادو حكومة توافقية على مبدأ المحاصصة السياسية لاقتسام السلطة والموارد، كان يعتبرها الصدر " وصفة" لاستمرار الفساد المالي.
في 12 من يونيو ، دعا الصدر نوابه إلى تقديم استقالاتهم من البرلمان بعد فشله في تشكيل حكومة أغلبية وطنية، ومنذ ذلك الوقت لم ينتهي التوتر بين "الاطار التنسيقي" الذي اعتبر هذه الاستقالة فرصة لتشكيل حكومة وصفت حينها بحكومة " خدمة وطنية" .
وفي 27 يوليو اقتحم أنصار التيار الصدري مبنى البرلمان والذي بدد فرصة تشكيل الحكومة، لينفجر الوضع بعد نشر المرجع الشيعي كاظم الحائري بيانا يعلن فيه توقفه عن مهامه كمرجعية دينية الذي كان يعد مرجعية للتيار الصدري، داعيا إلى اعتماد مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي من بعده، الأمر الذي جعل مقتدى الصدر للرد بقرار اعتزاله العمل السياسي وبالتالي ظهور جانب جديد من الخلاف الشيعي- الشيعي داخل التيار الواحد ، فالحائري والصدر مختلفان على موقع المرجعية التي يجب على أبناء التيار الصدري اتباعها لان الصدر مصر على أن مرجعية تياره ستبقى في النجف .
للأسف.. كل ذلك زاد من مستقبل العراق السياسي غموضاً وتخوفا من حرب أهلية ما لم تحل هذه الخلافات.