من دورة لأخرى، كان يتراجع إقبال الشخصيات العامّة الأكثر تأهيلا وخبرة وثقافة على التقدم للانتخابات النيابية، مثلما كانت تتراجع سويّة الانتخابات نفسها، وكانت وجهة نظرنا دائما بضرورة استدراك الانتخابات بإصلاح يعيد لها مكانتها وقيمتها، ويعيد للنيابة احترامها ودورها الحقيقي، لكن الحكومات تباطأت حتى وصلنا إلى انتخابات 2007 وشهدنا أسوأ انتخابات من نوعها. ولهذا التأخير استحقاقات سندفع ثمنها صعوبة مضاعفة في إنقاذ النيابة من التدهور الذي وصلت اليه؛ أكان من حيث الثقة بالعملية الانتخابية أو سلوك المرشحين والناخبين نفسه.
القوانين والأنظمة يمكن ان تمنع الانحراف والفساد، لكن عندما تتأخر كثيرا ويصبح الفساد ثقافة عامّة سائدة وسلوكا مقبولا، فإن استدراك الخراب يصبح اكثر تعقيدا وصعوبة. وهذا هو حال الانتخابات الآن. فنيابة الواسطة والخدمات الشخصية هي في الحقيقة من أشكال الفساد الذي وصل في أقبح اشكاله الى بيع الأصوات، أي بدل تسليف الصوت على أمل الحصول على خدمة لاحقة تصبح المقايضة أكثر صراحة ومباشرة، البيع نقدا بدل التسليف.
لقد ساد لفترة طويلة خطاب براجماتي أو "واقعي" يستسلم لمفهوم نائب الخدمات، وتدريجيا أصبح الجميع جزءا من هذه العملية حتّى أصبح تخصيص كوتات خدماتية للنواب شيئا عاديا مثل كوتات الحج والوظائف والمساعدات العلاجية وحتى المساعدات المادّية، وهي فكرة مذهلة في خطئها وفسادها، فالنائب الذي يحصل على كوتا بضع عشرات من الوظائف على الفئة الرابعة لا يجري مسابقة ولا يعين لجنة فحص لإعطاء الوظائف لمستحقيها بل يوزعها بمزاجه على أناس بعينهم دون بقية الناس. وهذه ذروة المساهمة في الفساد وتدمير المؤسسية وحقوق المواطنة المتساوية.
لم يكن مجديا تغليف هذه الواقع بالترويج اللفظي لشعار الانتخاب على أساس الكفاءة والأهلية، وقد أصبح الجمهور لا يعرف من النائب سوى التوسط من أجل خدمة ما، وعلى ذلك لم يعد من فرق بين مرشح وآخر سوى درجة الاستعداد للتجاوب مع طلبات التوسط والحصول على منافع من اي نوع، وفي هذا فليتنافس المتنافسون لا فرق بين تاجر شنطة أو مدرس قانون دولي، بين سياسي يحمل برنامجا ورؤية أو رجل لم يخطر على باله يوما الاهتمام بالشأن العام. وكان طبيعيا والحالة هذه أن تتراجع نوعية النيابة ومستواها وأصبح ذلك لافتا حتّى للمراقب الخارجي ولضيوف الأردن أو مستضيفي الوفود النيابية الأردنية.
لدي قناعة أن هناك رغبة في التغيير وإنقاذ النيابة مما وصلت اليه، وعلى ما أرى في الميدان فذلك ليس سهلا ولن يتحقق في دورة انتخابية واحدة، ويجب ان نعمل على مدار 4 سنوات ونحن نفكر كيف يؤثر ما نقوم به على الانتخابات وعلى مفهوم النيابة. أي أننا إزاء مشروع إصلاحي شامل لا يتجزّأ كما أثبتت التجربة ذلك.
m.aburumman@alghad.jo
الغد