الغباء خيانة والترشيد في غير مكانه هدر
د. محمد حيدر محيلان
07-09-2022 01:20 PM
توطئة : (يقول "خروتشوف" : اتصل بي الرفيق "ستالين"..و قال هناك مؤامرة كبيرة. لدينا معمل إطارات هدية من شركة فورد الأمريكية.. ينتج الإطارات منذ سنوات وبشكل جيد.. وفجأة.. منذ ستة أشهر.. بدأ هذا المعمل ينتج دواليب تنفجر بعد بضعة كيلومترات.. ولم يعرف أحد السبب.. أذهب إلى المعمل فورا واعرف السبب.
وصل خروتشوف المعمل وباشر التحقيق فورا، وكان أول ما لفت نظره هو حائط الأبطال على مدخل المعمل.. علقت صور أفضل العمال والإداريين والذين عملوا بجد ونشاط خلال شهر. وبدأ التحقيقات مباشرة من الإدارة حتى أصغر عامل.. لا أحد منهم يعرف الأسباب.. وقف خروتشوف في أول خط الإنتاج وتابع تصنيع أحد الإطارات وتابعه من نقطة الصفر حتى خروجه من المعمل.. ولم يلحظ الخطأ فأصيب بالإحباط.. كل شيء طبيعي وكل شيء صحيح وكل شيء متقن.. ولكن الإطار انفجر بعد بضعة كيلومترات من استخدامه.. اجتمع خروتشوف بالمهندسين والعمال والإداريين واحضر المخططات واتصل بالمهندسين الأمريكيين.. لم يصل لحل، ثم حلل المواد الخام المستخدمة في صناعة ذلك الإطار.. التحليل أثبت أنها ممتازة جداً وليست هي السبب أبداً. والاطار انفجر بدون سبب.. أصيب الرجل بالإحباط.. وأحس بالعجز.. وبينما هو يمشي في المعمل امعن النظر في لوحة حائط الأبطال المعلقة في المعمل.. وجد في رأس القائمة أحد المهندسين يتصدرها… وأن هذا المهندس على رأس القائمة منذ ستة أشهر.. أي منذ بدأت هذه الإطارات بالإنفجار بدون سبب.. تم استدعاء هذا المهندس إلى مكتبه فورا.. للتحقيق معه..
وقال له.. ارجوك اشرح لي يا رفيق.. كيف استطعت أن تكون بطل الإنتاج لستة أشهر متتالية؟
قال: لقد استطعت أن أوفر الملايين من الروبلات للمعمل والدولة، قلت: وكيف استطعت أن تفعل ذلك؟
قال: ببساطة قمت بتخفيف عدد الأسلاك المعدنية في الإطار وبالتالي استطعنا توفير مئات الأطنان من المعادن يوميا.. هنا اصابتني السعادة الكبيرة لأنني عرفت حل اللغز أخيرا ولم أصبر على ذلك.. اتصلت ب "ستالين" فورا شرحت له ما حدث… وبعد دقيقة صمت قال بالحرف: والآن.. أين دفنت جثة هذا الغبي؟ في الواقع لم أعدمه يا رفيق.. بل سأرسله إلى سيبيريا. لأن الناس لن تفهم لماذا نعدم بطل إنتاج.. وسوف نُلام على ذلك). انتهت القصة المقتبسة.
الدروس المستفادة من هذه القصة مهما كانت درجة صدقيتها او صحة اسنادها للرواة، هي أن الغباء والحماقة اعيت من يداويها. وان الخيانة لها اشكال وصور كما الفساد له اشكال وصور، ويكفي ان تكون احمق او غبي ونظيف وقلبك طيب وتحمل شهادة عليا ومن مصدر اجنبي ايضاً لتدمر الوزارة او الحكومة او البلد!!! ليس بالضرورة ان تكون حرامي او خائن او فاسد (رسمي) او مجاز من هيئة الحرامية والسرسرية والفاسدين، او شريك لهم، لتمارس الفساد والخيانة بابداع وتميز واقتدار، فقط ان تكون ساذَجاً واحمقاً، وان تكون في المكان غير المناسب، كان تكون مهندسا او جراحا وتستلم وزارة التربية (بحجة ان الوزير منصب سياسي)، وتباشر اصدار قرارات مفصلية تربوية وتعليمية سلبية بحق اجيال من الطلبة ثم تغير المناهج المدرسية، التي توجه الاجيال عقدياً وتعبوياً وفكريا ونفسياً، بما يخدم اعداء الامة، ويميت روح الرجولة والقيم الفاضلة والاعتزاز بالهوية الوطنية والقومية العربية وحتى الدينية، فتخلق جيلاً مشتتاً تائهاً وفارغاً، يسهل توجيهه وقياده ودفعه لمهاوي الردى والضياع. فليس الخائن هو الذي يبلغ معلومات مهمة وحساسة عن وطنه للعدو ويتجسس لصالحه، او يغدر باهله ومجتمعه ويتواطأ في تمرير احداث وامور تضر بمصلحة الوطن فقط…وانما الغباء خيانة، ومحاولة الترشيد السلبي الذي ينخر في كيان المنظومة الانتاجية او الصحية او التعليمية والبيئية خيانة (وعظمى ايضاً)، وتولية الفاسدين والحمقى واراذل القوم في المناصب الحساسة في الدولة خيانة وغدر للوطن والامة !! فللخيانة صور متعددة، وحالات قد نمارسها بقصد وبتوجيه مدفوع ثمنه من جهات تستهدف الوطن وأمنه، او بغباء وسذاجة وبغير قصد، ومن حيث نضن اننا افلحنا وابدعنا بقرارات رعناء وحلول عرجاء، نكون اصبنا الوطن في مقتل، ودمرنا ما بنينا من مكتسبات، وارث وحضارة، بناها الراشدون والسابقون من أولي العزم، والدراية والخبرة، والادارة الحكيمة، والقيادة الرشيدة، على عقود توالت…!؟ والأدهى والأمَّرْ ان البعض من ذوي الجهالات والحماقات، ومن ذوي الشهادات العالية ذات المصدر الباهر الاجنبي ( بدون تعميم) الذي لا يُناقَشْ حاملها، ولا يسابق، او يضاهى (بخريج محلي مهما علا مستواه العلمي والفكري والاداري وابدى من عبقريات)، فيكافأ الاول على هكذا حماقات ويرقى لدرجات اعلى ومسؤليات اعظم ومكانة ارقى ويحظى بأوسمة وميداليات ويُقام له و يُقعَد ، وذوي النباهة والحصافة والنُهى يحرم ويُبعَد!!؟
والشيء بالشيء يذكر ، فبعد نهاية الحرب الامريكية الباردة مع الاتحاد السوفيتى، ارسلت امريكيا جاسوساً ليعمل في روسيا في الاماكن الحساسة في صنع القرار ،وكان يبدي من الاخلاص والولاء والانتماء ما يستحق عليه الاوسمة والميداليات، وهو الذي اوصله ليرتقي بالدرجات الوظيفية حتى عمل مستشاراً للرئيس الروسي آنذاك،وقد تفاجأ الجميع عندما أكتُشف أن هذا الرجل يعمل جاسوساً للمخابرات الأمريكية، وعندما سئل كيف خدم امريكيا كجاسوس!؟ قال كنت أشير على الرئيس بوضع الرجل المناسب فى المكان غير المناسب؛ كأنْ يأتي بالمهندس الزراعى ويضعه فى وزارة الصناعة والطبيب في وزارة الصحة بحجة ان الوزير منصب سياسي، وهذا بدوره يقضي على أى نية للتطور والنهوض والتغيير للافضل.وهو ما ادى بالاتحاد السوفياتي للهاوية والتمزق.
فهل نمارس الاخلاص الوطني والصلاح الاداري والنزاهة والقيادة الرشيدة بإيصال الكفاءات والاذكياء والرياديين للمناصب الحساسة وغرف صنع القرار ، ليصلح مسيرنا ويعتدل قوامنا ونقتفي ركب الادارة الحديثة !؟