عشنا ، خلال الأسبوعين الماضيين ، (فورة ثقافية) غير مسبوقة ، في ساحتنا المحلية ، التي عجت بنشاطات ، وفعاليات متعددة: معرض عمان الدولي للكتاب ، وملتقى عمان الثاني للقصة القصيرة ، ومهرجان الفيلم الأوروبي ، ومهرجان الأردن الدولي للتصوير ، وموسم الصيف المسرحي الأول ، بالإضافة إلى المحاضرات ، والأمسيات ، والمعارض ، والندوات ، والمؤتمرات ، التي تقام في أكثر من جهة ، ومنتدى ، وفي الأوقات ذاتها ، أحياناً. وسيبقى السؤال واخزاً: هل سيبقى هذا النشاط هدفاً ، بحد ذاته ، أم إنه وسيلة ذكية ممتعة للرقي بالإنسان ، وتنميته ثقافياً ومعرفياً؟ إذن ، لماذا ما زالت نشاطاتنا تعاني قلة في حضور الناس العاديين؟.
ما أن أعلنت وزارة الثقافة أسماء الفائزين بمشروع التفرغ الإبداعي ، لهذا العام ، حتى انبرى كاتب ، في صحيفية يومية ، يصف المشروع بالثرثرة ، ويرصف مقالاً مفعماً بالمغالطات والتسطيح للأشياء والحقائق. وتوقعت أن ترد وزارة الثقافة على المقال ، في المكان ذاته ، من الصحيفة. لكن يبدو أن الوزارة لا تريد التحرش بأحد ، متناسية أن الحقيقة أهم من أخذ (الخواطر) ، وأن الناس أحق أن تعرف الصواب ، كما أنه ليس كثيراً ، على المبدع الذي ينجز عملاً أدبياً ، أو فنياً ، أن ينال خمسة عشر ألف دينار. فنحن ننفق أضعافاً مضاعفة على أشياء واضحة الثرثرة ، ولدى ثرثارين تكاثروا فينا مثل البكتيريا.
أشير ، بتقدير إلى موسم الصيف المسرحي الأول ، الذي اختتم ، قبل يومين ، مع ملاحظة أن الحاضرين ، جلَّهم ، كانوا من المتابعين الدائمين للمسرح. وهذا جميل لا أنكره ، ولكننا في حاجة إلى عمل (جرة رجل) ، كي نبني جمهوراً مسرحياً متزايداً لا يقتصر على النخبة من وجوه تتكرر في كل المواسم المسرحية.
في معرض الكتاب ، صدحت أكثر من شكوى: بُعد المكان ، وغلاء الأسعار ، وتوقيت المعرض ، غير المناسب ، من بعد عيد ومدارس ، وهناك شكوى من قلة المعروض للأطفال ، نسبياً ، مع غلاء أسعار كتبهم. فافتقر المعرض لفعاليات وأنشطة تخص الطفولة ، كقراءت لكتّابهم ، أو مسرحيات بسيطة ، أو عروض جاذبة محببة بالقراءة في نفس الطفل. وهنا أرى أن يتم تدارك الأمر في المعارض القادمة. فنحن نعول على المستقبل وصناعه.
ملتقي القصة الثاني كان مفعماً بالحيوية والحميمية ، بين المشاركين ، وزاخراً بأوراق عمل تبحث في جديد هذا الفن العريق ، الذي ثبت أنه متطور متجدد ، لن يموت كما تنبأ بعض النقاد العرب. المشكلة الأبرز هي غياب الجماهير: فلم ألحظ طالباً جامعياً ، أو قارئاً ، ممن يتواصلون معنا عبر البريد الإلكتروني ، أو عبر مواقع الصحف. أي لم نلحظ احتكاكاً مع المجتمع المحلي: ففي الغالب نحن ، أي المشاركين ، نقرأ لبعضنا ، ونسمع لبعضنا.
شكا زميل كاتب عدم حضور كثير من زملائه حفل توقيع كتابه ، في معرض الكتاب. الشكوى وجدت أصداءها على صحفته ، في (الفيس بوك) ، وجعلتني أطرح سؤالاً تلقائياً: لماذا لا ندعم بعضنا؟ لماذا ما زال وسطنا الثقافي يجنح إلى المصلحة الضيقة في تعامله؟ هل من الأجدى ألا نعول كثيراً على بعضنا البعض؟ تجربة جديدة خاضها ملتقى القصة ، وهي (قصص على الخشبة) ، بمعنى مسرحة بعض القصص ، وتحويلها إلى اشتباك مسرحي ، على يد الفنانة أسماء مصطفى ، بربط درامي للزميل مفلح العدوان. هذا المشروع سيفتح آفاقاً جديدة نحو ربط الدراما المسرحية بالنصوص القصصية ، وهو أمر سيثري الطرفين ، في قابل الأيام.
ramzi279@hotmail.com
الدستور