هذا البلد، يعد البلد العربي الاكثر حساسية في ملفات عدة، بطبيعته الاجتماعية، واغلب مواطنيه يركزون على التعليم، بما يعني انه القطاع الاكثر جاذبية وخطورة على مستقبلنا.
لدينا ارقام مذهلة، حين يكون في الاردن، اكثر من مليوني طالب مدرسة، ما بين المدارس الحكومية، وتلك الخاصة، والتحولات في شخصية هذا البلد، قائمة على هذه الكتلة، فيما مجموع الطلبة على مقاعد الدراسة في الجامعات الأردنية، في جميع الدرجات يقترب من ثلاثمائة وخمسين الف طالب وطالبة، منهم ربع مليون فقط يدرسون في الجامعات الرسمية، ومائة الف في الجامعات الخاصة، هذا غير ارقام الطلبة الذين يدرسون خارج الاردن.
وكأننا امام كتلة بشرية كبيرة من عمر 5 سنوات حتى 22 سنة، تركز على التعليم فقط، على مستوى المدرسة والجامعة، وعلينا ان نتخيل نتائج كل هذا التركيز على التعليم في مجتمع شرق اوسطي، ما يزال يعيش تحولات على صعيد شخصيته الداخلية، وتطلعاته.
اذا اردنا قراءة الاردن بعد عشر سنوات مثلا، فإننا مع قراءة وضع الموارد الاقتصادية، والسكانية، وغير ذلك، علينا ان نقف مطولا عند طلبة هذه الايام، والقصة لا ترتبط بوزارة حالية، ولا لاحقة، بل ترتبط بالتخطيط الاستراتيجي للدولة ذاتها بشأن واقع التعليم في الاردن، الذي يعد سكانه من اعلى نسب السكان التحاقا بالمدارس والجامعات والكليات.
حين تجالس اي تربوي تسمع منه قصصا مؤسفة على مستوى المدارس، مثلا، تناقض جزئيا دلالات هذه الارقام، اذ ان متابعة الاهالي، أحياناً، ضعيفة، برغم تركيزهم على بقاء الطالب في مدرسته وبعض الابناء يتعاملون مع التعليم بطريقة غير مسؤولة، والتحصيل ضعيف، احيانا، بسبب عدم اهتمام اغلب الطلبة، والضغوطات على المعلمين ذاتهم، والامكانات المحدودة تؤثر في عملية تطوير التعليم، والمناهج، ووضع المدارس، وتتفشى فوق ذلك بين الطلبة، سلوكيات اجتماعية مؤسفة، اضافة الى اوضاع المعلمين الاقتصادية.
هذا يعني ان الكتلة الكبيرة تهتم بالتعليم، لكن هناك نقاط ضعف في العملية كلها، والامر ينطبق على الجامعات، فالكل يريد ان يدخل جامعة، والبعض لا يهتم بتحصيله كما يجب، او لا يختار تخصصا منتجا على صعيد حياته الاقتصادية، لعدم معرفته، او عدم توفره.
على صعيد المدارس بات لدينا انقسام طبقي في التعليم ونتائجه ايضا، اذ ان وضع خريجي المدارس الخاصة والدولية، يختلف تماما عن وضع خريجي المدارس الحكومية.
التعليم هنا ملف استراتيجي، يرتبط بتوجهات الدولة على مدى عقد او عقدين، وليست نتاجا لسياسات جهة محددة مثل وزارة التربية والتعليم او التعليم العالي، فقط، اللتان تقفان امام حمل كبير، وتديره قدر الامكان في ظل ندرة الامكانات المالية.
بين يدي خطة التحديث الاقتصادي التي تشمل ثمانية محركات نمو، والذي يقرأ الخطة يدرك أن هناك تشخصيا جيدا لأزمات التعليم في الاردن، التي من أبرزها ضعف التحصيل، وملف تأهيل المعلمين، وتفاوت الأداء بين مؤسسات التعليم في الاردن، وضعف مداخيل المؤسسات، وطغيان التدريس التقليدي، وتناولت الخطة مراحل التعليم المختلفة، من الطفولة المبكرة، والتعليم الاساسي والثانوي، والعالي، إضافة الى الطموحات الاستراتيجية للاردن، ومبررات هذه الطموحات، حتى عام 2033، إضافة الى وسائل تطوير التعليم، والترابط بين التعليم وبقية القطاعات، خصوصا، على صعيد التعليم العالي.
في وثيقة التعليم مبادرات استراتيجية على مستوى التعليم المدرسي والجامعي، وهي وثيقة محكمة تستحق المتابعة، اضافة الى تركيزها على التعليم المهني والتقني، ويجب ان تخضع للتنفيذ وتوفير الامكانات من اجل ضمان مستقبل الاردن، حتى لانغرق بالارقام فقط.
الجهد المبذول في الوثيقة يستحق الاشادة، لكن ازمتنا الاساسية، ليست في التشخيص، بل في قدرتنا على المتابعة وبدء التنفيذ، ونحن هنا ومنذ الان ، نصنع الاردن بعد عقدين.
ثلث الاردنيين يندمجون بالتعليم هذه الايام، ومن اصل ثمانية ملايين اردني تقريبا، نكتشف ان ثلثهم اما في المدارس او الجامعات، وهذا رقم يقول الكثير، عما هو مقبل وآت.
هذا ملف دولة، وليس ملف حكومة او وزارة ايها السادة.
(الغد)