المعارضة في العالم العربي ، معارضة نخبوية بلا جماهير ، لان الجماهير العربية لا تجيد سوى النكاح والكلام ، والشتم في الفراش الدافئ في احسن الحالات.
ليست المصيبة في الموالاة فقط ، وحكومات الموالاة. المصيبة ايضاً في المعارضة ، لان النخبة اذا صدقت لا تجد جماهير تصدقها ، ولا تؤازرها من اجل اي تغيير ، وجماهير العرب حكاءة ولا تجيد سوى الكلام ، وليست مستعدة للتضحية بأي شيء.
يحكى ان فيلا ضخماً كان يمتلكه تاجر في بلدة هندية كبيرة ، وكان الفيل يخرج كل يوم من بيت التاجر ، من اجل النزهة ، فيدخل السوق ويحطًّم المحلات التجارية ويدوس على الناس ، ويحطم البيوت ايضاً ، والناس غاضبة لا تعرف كيف توقفه ، لان صاحبه متنفذ.
يوما بعد يوم والفيل يواصل التكسير والتخريب ، حتى جن جنون الناس ، ولا احد يجرؤ على منع الفيل من هذا التخريب. ذات يوم خرج شاب طليعي من اهل البلدة وصعد خاطباً في الجماهير طالبا منهم عدم السكوت ووضع حد للفيل ، واجتمع اهل البلدة على كلامه يصفقون تأييدا له.
اقترح الشاب الشجاع ان يتحرك كل اهل البلدة الى بيت التاجر ، من اجل محادثته في امر الفيل ، ووضع حد لهذا الخراب. بدأت المسيرة والاف الغاضبين يسيرون وفي مقدمتهم الشاب الغاضب.
خلال الطريق كان صديقنا الطليعي ينظر الى الجماهير وكلما اقترب من باب بيت التاجر ، يكتشف ان العدد يقل ، وان الجماهير تنسحب من الصفوف الخلفية.
حين وصل الى باب االبيت لم يكن الا عشرات قد بقوا معه ، وحين مثل بين يدي التاجر ، نهره الاخير بعنف بالغ عن هذا الصخب الذي يسببه والذي يريده ، فنظر الشاب خلفه ، واكتشف ايضا ان العشرات فروا ولم يدخلوا معه تاركينه لمصيره الاسود.
تلعثم الشاب الهندي. فقد بات وحيداً ، وخذلته الجماهير التي كانت تهتف وتصفق وتُصفّر قبل قليل. سكت لحظات وهو يفكر في مخرج لهذه المحنة التي اوقع نفسه بها امام التاجر المتنفذ .
سكت وقال: اعذرني يا سيدي.. فلا شيء يقلقنا سوى امر الفيل. سأله التاجر بغضب وما به الفيل؟. رد الشاب: يا سيدي.. الفيل ذكر وهو اعزب ، ولم يتزوج بحياته وليس لديه ابناء ، ونقترح عليكم تزويجه .
ابتسم التاجر ، وتنفس صدره ، مما به من غضب ، وامر الشاب بالمغادرة وامر من حوله بدراسة الفكرة الوجيهة والعاطفية والحساسة.
هكذا هي القصة. مع مصائب معظم اصحاب القرار في العالم العربي والحكومات وطبقات المال ، تأتي مصائب المعارضة اما بعدم صدقيتها في حالات كثيرة ، واما بخذلان الجماهير لهذه النخب المعارضة كما في قصة صديقنا الغاضب الذي لم يجد مخرجا لينجو بحياته سوى اقتراحه بتزويج الفيل ، بدلا من المطالبة بوقف تخريبه.
مناسبة الكلام ، ما يقال دوما ان الجماهير العربية من المحيط الى الخليج غاضبة وتريد تغيير حال الامة ، والذين يقولون هذا الكلام يعلقون المسؤولية اما على الحكومات الخربة او على المعارضة الضعيفة غير المقنعة.
.. ثم لا يسألونك عما تقدمه هذه الجماهير الحاشدة؟،.
mtair@addustour.com.jo
الدستور