نحو استئناف المشروع الحضاري النهضوي للأمّة
د. رحيّل غرايبة
01-10-2010 04:49 AM
المشروع الحضاري الكبير للأمّة ليس حكراً على الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب أو الأقطار، بل هو حصيلة ثمرة جميع الجهود المبذولة بطريقة صحيحة على مساحة الرقعة الأرضية، من جميع المنتسبين لهذا المشروع.
قد يخفت الجهد أحياناً ويتضاءل، ويصيبه الوهن أحياناً أخرى، إلاّ أنّ المسير الحضاري للأمّة بجملتها مستمر ودائم التقدم، فيلمع أحياناً في بقعة، ويثمر في بقعة أخرى، ويعطي عطاءه في سنوات، على قدر الجهود المبذولة.
مسؤولية النخب من أهل الفكر، وأصحاب البصيرة، وحملة الهمّ العام من الذين أوقفوا أنفسهم على قطف شيء من جهودهم، وعصارة فكرهم، وقسط معلوم من أموالهم، هي توجيه أشرعة سفينة الأمّة الكبرى نحو الاتجاه الصحيح، والإبحار نحو شاطيء السلامة والإنجاز والبناء والاستقرار.
ومن أعظم مسؤولية النخب كذلك القدرة على إلهاب مشاعر اليقظة لدى الأجيال القادمة، حتى تكون قادرة على الإسهام في استئناف المسير الحاشد الكبير للأمّة نحو النهوض والتقدم، وتوجيه الطاقات الهائلة وتفجيرها في محصلة ايجابية تصب في مصلحة الأمّة ومشروعها الكبير.
من الواضح أنّنا بحاجة إلى فلسفة جديدة في العمل، وتصور أكثر عمقاً وشمولاً، من أجل بيان القدرة على إفساح المجال لكل طاقات الأمّة العظيمة المختزنة والهائلة سواء كانت على أصعدة فردية أو جماعية أو قطرية، بغض النظر عن اختلاف الاجتهادات، ضمن الإطار الوحدوي الكبير للأمّة.
بمعنى آخر هل يمكن ايجاد نهر عظيم، تصب فيه كل السواقي الصغيرة والكبيرة، وكل نقاط الجهد المبذول على صعيد الأفراد والجماعات وتجميع كل الرذاذ المتطاير من ورشات الفكر والعمل رغم ضآلتها وتفرقها ليصبح ذلك كله نهراً عظيماً، يحمل كل معاني التعددية والاختلاف المقبول؛ ليصب في المحيط الحضاري الكبير للبشرية.
أول خطوات استئناف مشروع الأمّة الكبير الاستثمار في العقول والأدمغة الذي ينبغي أن تنبري له دول الثروة وأثرياء الأمّة، من خلال إنشاء صناديق تستوعب الفائض المالي تخصص في دعم المبدعين وأصحاب المواهب والابتكارات من خلال عمليات البحث الجادة في كل الساحات العربية والإسلامية، والعمل على دعمها وتطويرها، وتهيئة مناخ الإبداع القادر على استثمار عصارة هذه العقول والأدمغة، حتى لا تقع في براثن الصيادين الغربيين وشباكهم، الذين يلتقطون العقول ويتعقبون المبدعين عن طريق الإغراء بكل الوسائل الممكنة، وتوظيف عصارة جهدهم في المشروع الحضاري الغربي المعادي.
نحن بحاجة أيضاً إلى فلسفة جديدة، تحكم عمل الأفراد والأحزاب والفئات، بعيداً عن استنزاف طاقات الأمّة في أشكال الخلافات والنزاعات، والبحث عن مساحات الاتفاق، وتقليل عوامل الفرقة والتشرذم التي يعمد الأعداء إلى بذرها ورعايتها ونشأتها، حتى تبقى الأمّة في طاحونة اليأس والإحباط التي تديرها رياح الاختلاف والنزاع والعصبيات الجاهلية المتعددة، ينبغي أن نبحث عن سبل النجاة من طاحونة النزاع التي بدّدت الجهود، وضيّعت الأوقات وعطلت المسير.
rohileghrb@yahoo.com
الراي