توني بلير شخصية غير عادية، قاد حزب العمل إلى الفوز في ثلاثة انتخابات عامة، واشغل 10 داونينغ ستريت كرئيس للوزراء لثلاث دورات، وهو الآن مستشار لبنك أميركي كبير ومندوب اللجنة الرباعية لعملية السلام في الشرق الأوسط.
جاءت مذكرات بلير في أكثر من 700 صفحة، دافع فيها عن نفسه وقراراته كرئيس وزراء، وخصص مائة صفحة للدفاع عن قراره المشؤوم بالحرب على العراق، وهاجم خلفه في زعامة حزب العمال ورئاسة الوزراء جوردون براون، وامتدح صديقه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وحليفه جورج بوش، وأدلى بآراء محافظة ضد نظرية كينز التي تدعو للمزيد من الإنفاق العام لعلاج الركود الاقتصادي، وأكد أن زيادة عجز الموازنة العامة تزعزع الثقة العامة وتخيف المكلفين من أن ضرائب ثقيلة قادمة، وبذلك تسيء إلى مناخ الاستثمار، الأمر الذي نزل برداً وسلاماً على رئيس الوزراء البريطاني المحافظ الحالي.
خالف بلير تقاليد المحافظة البريطانية، عندما تحدث باستخفاف عن الملكة، وعن علاقته الحميمة بزوجته، ومسائل خفيفة أخرى تعتبر دون مستوى رئيس وزراء بريطانيا.
لم يعترف بلير بأية أخطاء جوهرية ارتكبها خلال رئاسته الطويلة للحكومة البريطانية، ولم يعتذر عن أي قرار خاطئ بما في ذلك جر بريطانيا إلى الحرب على العراق ذيلاً للرئيس جورج بوش.
على العكس من ذلك فقد شجب وأدان الآخرين: الحكومة فشلت، المسؤولون عن الرقابة فشلوا، السياسيون فشلوا. ولم يقل ماذا كان سيفعل بطريقة مختلفة لتجنب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
عنوان المذكرات (رحلة)، وهي بالتأكيد رحلة طويلة شهدت صعود توني بلير وسقوطه، ولعل إصدار المذكرات يعني أن رحلة بلير قد انتهت ، وأن حياته السياسية أصبحت وراءه.
يذكر أن جورج بوش كان قد عيـّن بلير ممثلاً للجنة الرباعية كمكافأة له على تبعيته السياسية، وأن بلير لم يحقق أي اختراق أو إنجاز في مهمته الشرق أوسطية، خاصة وأنه لا يتمتع بثقة العرب أو اليهود، ولا يبدو أنه أخذ مهمته مأخذ الجد وبذل جهداً في هذا السبيل.
كتاب بلير مرافعة طويلة للدفاع عن النفس ومهاجمة الخصوم، بشكل يعترف هو أنه لن يقنع أحداً، وهو لا يصلح كمرجع للمؤرخين، ولا ُُينقذ صاحبه من السقوط في مزبلة التاريخ.
الرأي