لا شكَّ أَنَّ وجود التشريعات المختلفة في حياتنا، تُعدُّ وسيلة ناجعة وناظمة لهذه الحياة، فالتطبيق الأَمثل لها؛ يقود إِلى حياةٍ مُثلى، خالية مِن التجاوزات والسلبيات والمنغصات الناجمة عن التطبيق المزاجي مِن قِبل فئة ما شاءت الظروف أَن تكون مرجعية في التفسير في بعض الأَمكنة، الأَمر الذي قد يؤدي إِلى تهميش المصلحة العليا للمكان الذي يتبع له، أَو يؤدي إِلى هضم وضياع الحقوق مِن خلال ابدال الحقّ بالباطل، أَو تزيين الباطل بثوب الحقّ، إِلى أَن يصير هذا الحال ثقافة مكان لا تستطيع كل وسائل التغيير تغيير ملامحه إلَّا وفق نهج طويل الأَمد مِن برامج التغيير التي لا يتأَتّى أُكلها بسهولة أَبداً، (أَتكلم هنا عن بعض القائمين على تفسير التشريعات الحكومية الناظمة للعمل العام في بعض الأَمكنة) .
تختلف جديَّة تفسير وتطبيق هذه التشريعات، تبعاً لاختلاف مفهوم وتفسير القائمين عليها لها، حتّى وإِن كانت هذه البنود واضحة التفسير، فالبعض ينظر لبعض بنود هذه التشريعات نظرة تتوافق مع غايته منها، فيفسرها بما يتوافق مع مستوى فهمه المتواضع لها أَو بما يناسب توجهه وميوله الذاتي الذي لا يخلو من الشخصنة أَحياناً، حتّى وإِن أَوقع الظلم بغيره، أَو ضيّع مصلحة ما للمكان الذي يتبع له، فالفَيصل هنا ما يعتقده هو لا ما هو عليه التفسير المنطقي لهذا التشريع، ويتعزز هذا الاعتقاد بتأَييد مطلق مِن صاحب القرار في ذلك المكان فالمرجع (المُفترض) هنا مُختلّ بتفسيره وحُكمه، وصاحب القرار (المُفترض) مُختلّ بتبعيته لذلك التفسير (وربما لصاحب التفسير) بما يتماشى كذلك مع ميوله وغايته .
التشريعات الناظمة للعمل العام تكاد أَن تكون شاملة وكافية في مجملها، إلَّا أَنَّ هناك مَن ينظر إِليها (مُعتقداً) أَنَّها كَسَيفٍ مُسلَّط على رقبته، أَو كأَنَّها وُجدت لتطبيق كل حرفٍ فيها بما لا يقبل المساومة أبداً، فلا يقبل النقاش في جزئيات تشريعٍ ما بما يتماشى مع تحقيق مصلحة المكان الذي يتبعه أَو يُديره تحسباً مِن اتهامه بشبهة فساد أَو ما شابه ذلك، وكأَنَّ هذا التشريع جاء للحد مِن تحقيق هذه المصلحة، أَو جاء لاقتناصه بأَية تهمه لا صِلَة له بها مِن قريب أَو مِن بعيد ، وهذا ما لا يقبله عقلٌ ولا منطق، فالفكرة مِن سَنِّ أَي تشريع هي ضبط الأَداء العام في أَي مكان، فإِن تحقق هذا الضبط؛ فقد تحققت غاية التشريع حُكماً حتّى وإِن لم يُطبّق في كل جزئياته فلِكُل تشريعٍ روحٌ تسري بين مواده وبنوده، ودون ذلك فإِنَّ ما سيحكمه الجمود والصلابة التي لا تتماشى تداعياتها مع الغاية مِن وضع ذلك التشريع .
خلاصة القول؛ إنَّ التشريع لا يجب أَن تحكمه المزاجية والفهم الخاطئ له ، كما لا يجب تجريده مِن الروح المتغلغلة في كل جزئية منه، فالغاية تتحقق منه طالما حققت مصلحة المكان الذي ننتمي له، فإِن تحققت مصلحة المكان؛ فالعائد سيكون في مصلحة الوطن بأَكمله، فيتعزز الولاء والانتماء بين أَفراده له حين نعزز نهج التفسير المبني على تحقيق المصلحة العامة، وحين نعلم أَنَّ غاية هذا التشريع هي تنظيم الأَداء العام في أَي مكان وفق فكرٍ يَعي تماماً الغاية المُثلى مِن وجوده ووفق فكرٍ يَعي تماماً الغاية المُثلى مِن وجود هذا التشريع .