ربما لا تحتاج الدولة أن تتحدث لمواطنيها كل يوم، فالدولة تقول شيئا عندما يكون هناك أمر يستحق، لكن هذه القاعدة تغيرت مع تغير أساليب التواصل بين الناس ودولتهم، وأيضا تغيرت لأن الناس أصبحت ترى في الأفعال والقرارات والإجراءات أقوالا ورسائل من الدولة حتى لو لم تكن الدولة تقصدها.
في الأردن وقبل عقود عندما كان يتم اختيار شخص لرئاسة الحكومة كان التحليل أنه يملك علاقات جيدة أو سيئة مع دولة من دول الجوار، وإن قدوم فلان يعني أننا ذاهبون إلى تحسين العلاقات مع الدولة الفلانية أو رسالة لدولة أخرى بأن الدولة اختارت علان رئيسا للحكومة لأنها لا تريد تحسين العلاقات مع دولة ما، وعندما تتحسن العلاقة مع الدولة المعنية يجري تغيير رئيس الحكومة كرسالة إيجابية.
هذا الأمر لم يعد قائما فلم يعد تعيين رئيس الحكومة يحمل رسالة إقليمية أو عربية، لأن موقع رئيس الحكومة أصبح خاصا بإدارة أمور الحكومة الداخلية، وشخص الرئيس لا يتم قراءته إقليميا أو دوليا، ومن يعتقد من العاملين في السياسة أن علاقته الحسنة أو تاريخه الحزبي مع دولة من دول الإقليم قد تحمله إلى رئاسة الحكومة فإن هذا الأمر لم يعد قائما، فحتى الدول حولنا تغيرت تركيبتها وأصبح الحكم فيها له معادلات مختلفة.
لكن الدولة تقول لمواطنيها في قراراتها، تقول بمنطق الجغرافيا وتقول بمنطق الاهتمام بالناس وتقول حين تختار لأي موقع، وربما مع تعاقب العقود ضعف اهتمام الناس بمن يأتي وبمن بذهب لأن الفروقات ليست جوهرية بالنسبة للناس، وحتى في فترة ما يسمى الربيع العربي فإن الدولة اضطرت إلى تغييرات سريعة في الحكومات لعلها تجد في شخص رئيس أو تركيبة حكومة مفتاحا لرضى الأردنيين، لكن بعض حتى من اعتقدت الدولة أنهم أقرب للناس أرادوا استغلال المرحلة لبناء أمجاد شخصية ولو على حساب الدولة، والبعض كشفت المرحلة أنه لا يملك ما يجعله مفتاحا للحل، فاضطرت الدولة والحكم إلى العمل بيديها وذهبت إلى خطوات إيجابية تجاوزت بها المرحلة القلقة.
لكن ضعف اهتمام الناس بمن يأتي ومن يذهب ينقلب إلى النقيض لو أرادت الدولة أن تقول شيئا في أي خطوة وأي قرار وأي تغيير لمسار أو أشخاص، فضعف الاهتمام ليس رفضا لفكرة التغيير أو القرارات بل لتشابه المراحل لكن إذا أرادت الدولة أن تقول شيئا مختلفا في أي مجال فالناس تريد أن تسمع وتقرأ وتتفاءل.
في قضية تهريب المخدرات عبر الحدود من سورية قالت الدولة للناس قولا واضحا ليس بالحديث فقط بل قدمت شهداء وجرحى وأداء مشرفا من حرس الحدود فسمع الأردنيون ما قالت باحترام وإيجابية وفخر بأداء الجيش ورجاله، وعندما قالت الدولة مرة أخرى في ملف المخدرات داخليا بتعقبها وكلاء استقبال المخدرات في داخل الأردن، وقام الأمن العام بحملات قوية ضد هؤلاء في مختلف المناطق استمع لها الناس باحترام.
وفي الإطار السياسي الأوسع عندما قالت الدولة قولا يبعث على الفخر في رفض صفقة القرن وتحدث الملك بلغة لا تحتمل التأويل عن رفض التوطين والوطن البديل والمساس بالقدس، عندها سمع الأردنيون باهتمام وتقدير.
الأمثلة عديدة لكن المهم أن تقول الدولة وخاصة في القضايا الداخلية ومن تقدمهم لتولي الشأن العام في كل المؤسسات، فالناس ورغم ما نرى من لا مبالاة أو سلبية إلا أن الأردنيين يتوقفون باحترام واهتمام مع كل قول للدولة يحمل موقفا أو قرارات أو إجراءات تحمل جديدا وجدية، ولا أقصد بالقول الكلام فقط بل ما تفعل الدولة الذي هو الأهم، بل إن أحد أهم أشكال التصدي للسلبية أن تقول الدولة وتفعل في الاتجاه السليم فهذا يعزز الروح المعنوية ويغلق الفجوات.
وأخيرا فإن أسوأ قول يمكن أن ينطلق من عدم مراعاة الناس، فأحيانا يتم تعيين شخص في موقع مهم ولا يكون أهلا له فالناس تقول حينها.. “شو قصدهم” وكأن هذا القرار وأمثاله رسالة عدم اهتمام بالناس.
الدولة دائما تقول، ومن الطبيعي أن تخطئ وتصيب لكن المهم هو المسار العام لما تقول الدولة.
(الغد)