اتصل بي في أواخر رمضان، أخي في السخرية وصديقي رسّام الكاريكاتير جلال الرفاعي، قال لي بصوت ناعم هادئ متساوي الطبقات: لقد تركت لك كتابي الجديد «مكانك سرّ»..في الرأي أتمنى ان ينال إعجابك..
ولأنني قليل «خواص» و»معاجزي» لم «اسرّ» الى الرأي وبقيت في «مكاني» بالرمثا لما بعد العيد بأسبوعين على الأقل.. كلما لبست فردة جوارب وهممت بالخروج الى العاصمة، اتذكّر الطريق الطويل : الدوار، مثلث الرمثا، جامعة العلوم، مثلث النعيمة،بليلا، كفرخل جرش، جبا، الرمان، البقعة، صافوط، صويلح..»فأتعاجز» وأخلع الفردة التي لبستها وأبقى في البيت ..
***
أخيراً تشجعت وزرت جريدتي، ناولني موظف الاستقبال الكتاب وبريداً آخر ..تمعنت بغلاف» مكانك سر» : صورة لفاسد له كرش ومؤخرة من الدولارات، وفقير يتكىء على شجرة صبّار شوكي.. قلت في نفسي: اذا لم تنصف «جلال الرفاعي» خطوط وتقاسيم الورق في ال 39 سنة التي قضاها في المهنة فلن أستطيع إنصافه في بضعة سطور محسوبة عليّ بالفاصلة ..تصفحت الرسوم، ضحكت، اندهشت، وانتابني شعور عادي في أحايين أخرى .. بصراحة معظمها مغرية جدّاً للسطو واعادة تدويرها كمقالات او مشاهد درامية..أحسست كم نعاني كساخرين في صيد الفكرة والهم والالتقاط والسخط واللذعة ..واكتشفت كم تربطنا قرابة حبر قوية تصلنا في الجد الثاني لبني ساخر...الذي علمنا ضرورة الانطلاق من كهوف التمرّد عراة دون تشذيب أو تجميل، لنصطاد الفكرة على حراب القلم ونطعم كل القراء والمتعبين..
***
منذ عصر»الزقوقح» حيث قطع الجلد التي لا تكاد تغطي العورة ..ونحن نمارس ذات المهنة، القبضة هي القبضة لكن السلاح تغيّر..من حربةٍ حادةٍ تحرسه من الكواسرِ والوحوشِ والمعتدين تريقُ الدمَ كلما لزمت المواجهة ..إلى قلم وريشة..تسخر من كواسر الأحداث ووحوش السياسة والمعتدين على الحريات والشعوب والأوطان..و تريق الحبر الأزرق كلما لزمت المواجهة ايضاَ...
***
يقولون إن رسام الكاريكاتير يرى بدماغه لا بعينيه، فهو يحرث بخطوطه فكرة او انتصاراً أو رأياً في أذهان الناس، يرى ما لا يراه الآخر، ويجرّد الندّ بشبّاكه اليومي، يرفع راية الانتصار في ذيل كل لوحة، ثم يستعد لمعركة ساخرة اخرى... رسام الكاريكاتير، هو افتتاحية الصحف الحقيقية..هو الألف كلمة، والألف صرخة، والألف خطبة، والألف اعتصام ..
يعبّر عن الأحداث» بطريقة المرايا المقعّرة أحياناً.حيث يقلب المشهد ويصغّره..وأحياناً يعبّر عنه بطريقة محدّبة تماماً ...يضخم الموقف والشخصيات لكنه يزوّدها بخارطة عيوبها ..ليمارس بمعيّتنا نحن جمهور القراء عملية الفضح المشترك...
جلال الرفاعي ايها الساخر العاري المتمرّد..ابشّرك؛كل المواضيع التي كتبت، ورسمت، وتألمت ..بين دفتي كتابك..ستبقى «مكانك سرّ»..فالطريق مخيف والمشي فيها مُضنٍ..
ahmedalzoubi@hotmail.com
الراي