بداية عام دراسي وجاهزيّة مدارسنا وقدرتها الاستيعابية
نور الدين نديم
03-09-2022 01:35 PM
بحسب تصريح رسمي لوزارة التربية والتعليم فإنّ 214 ألف طالبة وطالب انتقلوا من المدارس الخاصة إلى الحكومية، وهذه الحالة التي تتزايد قد بدأت مؤشراتها منذ عدة أعوام لأسباب اقتصادية اشتدت وبلغت أوجها بعد أزمة جائحة كورونا، لتستكمل موجتها التصاعدية التي تتسبب بانعكاسات سلبية على العملية التعلمية، وتضعنا جميعا أمام مسؤولياتنا لإجراء قراءة تحليلية للظاهرة للوقوف على الأسباب ووضع الخطط المناسبة للعلاج.
لا شك أن المدارس الخاصة تشكل حالة تكامليّة فاعلة ومساندة للتعليم العام، وتسد ثغرة ليست بالسهلة وتسهم في تطور العملية التعلمية من جهة، وهي جزء من الاستثمار والتنمية الاقتصادية من جهة أخرى، كما لا شك بأن المحافظة على تنمية وتطوير المؤسسة التعليمية الرسمية وزيادة كفاءتها التشغيلية وقدرتها الاستيعابية هو ركن رئيس من أركان بناء ونهضة الوطن، ولذلك فإننا جميعا معنيون بديمومة وتحديث التعليم والمؤسسة التعليمية والحفاظ عليها بشقيها العام والخاص.
وإن كانت هذه الهجرة الى المدارس الحكومية هجرة قسرية لأسباب طارئة ناشئة عن تفاقم الوضع الاقتصادي وارتفاع غلاء المعيشة وزيادة الأعباء المادية على الأهالي، فإننا معنيّون أيضا قبل أي وقت مضى برفع سويّة الدخل وتطوير عجلة الإنتاج وإيجاد البدائل لزيادة الموارد دون الاثقال على المواطن والاضرار بالاستثمار والمؤسسات التعليمية الخاصة.
إن تبعات هذه الأزمة لن تتوقف عند حد الازدحام في المدارس الحكومية، فهي تتعداها لتوقف عدد ليس بالقليل من الاستثمارات في قطاع التعليم عن ممارسة عملها، وهذا يؤدي إلى الاستغناء عن أعداد من العاملين في قطاع التعليم، أو تقليص أعدادهم، وتخفيض رواتب الباقي وتقليص الخدمات المقدمة لهم.
إن المواطن اليوم يقف أمام تحدي لقمة العيش وصراع البقاء، فيختار نظام الاقتصاد وترتيب الأولويات على قاعدة : "الذي يحتاجه البيت يحرم على الجامع".
فيتراجع حرصه على جودة تعليم أبنائه والخدمات المقدمة لهم من الأولوية رقم واحد الى الترتيب الثالث بعد لقمة العيش والصحة، وهذا مؤشر خطير ينعكس سلباً على بناء الإنسان الأردني وتأهيله وبالتالي انتكاس تطلعاتنا ومخططاتنا لبناء غدٍ أفضل ولأي تحديث على المنظومة الإدارية والاقتصادية وغيرها..
وسنلمس النتائج مباشرة في تراجع دور القطاع الخاص في كونه الرديف والمساعد للقطاع التربوي العام، الامر الذي يشكل زيادة العبء والضغط على مدارس الحكومة بما يشكله ذلك من حاجة الى المزيد من الغرف الصفية والمدرسين والبنية التحتية في المباني والمؤسسات التعليمية.
وإن كان جزءاً من الحل تخفيض اقساط المدارس الخاصة وتحسين رواتب العاملين فيها فإن ذلك لا يمكن تحقيقه الا بخطوات تقابله بتخفيض الضرائب وتشجيع الاستثمار في مجال التعليم بدعمه ماديّاً وتصنيف المدارس الخاصة وتأمينها بكل دعم للحفاظ على بقائها كمؤسسات وتطورها كأداء واستمرارها في العطاء حتى تتمكن من اجتياز هذه الأزمة العابرة، مع مطالبتنا للمستثمرين في قطاع التعليم بالاكتفاء بهامش قليل ومقبول من الارباح على قاعدة "لاضرر ولاضرار".
ان الاستثمار في قطاع التعليم يختلف عن غيره من القطاعات وان شابهه الاستثمار في القطاع الصحي، فهذين القطاعين يفيضان بالانسانية التي تتفوق على البعد المادي وتتغلب عليه، فالعمل في قطاع التعليم يحمل رسالة سامية وأهدافه تربوية أخلاقية.
لعل الحفاظ على هذا التوازن بين تخفيض الالتزامات الضريبية المترتبة على المدارس الخاصة وتصنيفها مقابل خفض الرسوم الدراسية وتخفيف الأعباء على الأهالي، سيسهم في عودة الحيوية لهذا القطاع وتخفيف الضغط عن المدارس الحكومية مرحلياً، حتى تتمكن وزارة التربية والتعليم من إستكمال تأهيل المباني المدرسية وزيادة قدرتها الاستيعابية، للوصول لمرحلة التعافي التام والتفرغ للتطوير والتحديث بخطط استرتيجية بعيدة المدى وواسعة الأفق لما فيه خير الوطن والمواطن.