إنه التشجير إذا، الحل الأمثل والأقل كلفة والأكثر فاعلية في نظر كثير من العلماء والمختصين في مكافحة أخطار التغير المناخي المتفاقمة، ومن كوارثها الواضحة الجفاف الشديد الذي يعصف بأنهار العالم هذا العام من الصين شرقا إلى أوروبا وسطا إلى الولايات المتحدة غربا، حتى أن بعض العلماء يرى أن “قارة أوروبا تشهد أسوأ موجة جفاف منذ نحو 500 عام”.
وكل ذلك بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تطول الأسباب لشرحها والإنسان سببها أولا وأخيرا، لكن إحدى أسرع الطرق لمواجهتها تكمن في زرع ملايين بل مليارات الأشجار حول العالم، والتي لا تكمن أهميتها فقط في قدرتها العالية على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وهو السبب الرئيسي لجنون الاحتباس الحراري وكوارثه من موجات الحر اللاذعة وحرائق الغابات والأعاصير والعواصف والجفاف والفيضانات والتصحر وغير ذلك، بل أيضا لقدرتها العالية على المحافظة على التنوع الحيوي.
الجيد أن الأمر قد بدأ فعلا، ومن ذلك إعلان المبعوث الصيني لشؤون المناخ، شاي تشنهوا، خلال مشاركته هذا العام في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، اعتزام بلاده، وهي أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، زراعة 70 مليار شجرة، بحلول العام 2030، لجعل كوكبنا أكثر خضرة، وبالتالي الحد من تفاقم مصائب التغير المناخي.
وها هي الولايات المتحدة الأميركية تعلن أيضا قبل أسابيع عن خطتها لزراعة مليار شجرة، في إطار الحد من تداعيات التغير المناخي. وكل ذلك ضمن مبادرة أوسع تروج لها واشنطن لزراعة تريليون شجرة في مختلف أنحاء المعمورة بحلول العام 2030، وهو الهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله حركة التريليون شجرة؛ المنصة التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي، وهي مبادرة رائدة.
المهم في الفكرة أنها تتناغم مع دراسات علمية عديدة، لعل من أبرزها تلك التي أعدتها مجلة ساينس العلمية، قبل سنوات قليلة، وأكدت “أن زراعة تريليون شجرة كفيلة بمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري التي تعاني منها الأرض”. وبحسب الدراسة، التي أعدها علماء من سويسرا بالاعتماد على برنامج Google Earth، فقد تم ترشيح “6 دول كبيرة المساحة لاستيعاب الأشجار الجديدة، وهي روسيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا والبرازيل والصين”. ولأغراض المقارنة فقط، يوجد على الأرض ما بين 3 و4 تريليونات شجرة.
التشجير لا يلعب دورا حاسما فقط في مكافحة التغير المناخي، بل وبحسب عالم الأحياء في جامعة جورج ماسون، توماس لوفجوي، “فإنه يساعد أيضا على وقف خسارة التنوع البيولوجي”. وهذا أمر مهم جدا في حماية العديد من الأحياء، نباتية أو حيوانية، من خطر الانقراض. فبحسب تقرير أممي صدر هذا العام، “فهناك مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهدد بالانقراض بسبب تزايد الاحترار العالمي”.
وعند الحديث عن التغير المناخي وسبل مقاومته، فتجدر الإشارة إلى مبادرتين رائدتين على مستوى الشرق الأوسط والعالم في مجال التشجير وتخضير الأرض، وهما مبادرتا “الشرق الأوسط الأخضر” و”السعودية الخضراء”، اللتان أطلقتهما المملكة العربية السعودية قبل نحو سنتين. وفي حين تهدف الأولى إلى زراعة 40 مليار شجرة في الشرق الأوسط، ترمي الثانية إلى زراعة 10 مليارات شجرة داخل السعودية وحدها.
مجمل القول فيما تقدم، إنه ورغم عبث الإنسان بتهور بالطبيعة بسبب ما تصدره منابع الطاقة الأحفورية لديه وغيرها من كربون يفوق قدرة كوكبنا الأزرق على التحمل، فإن الله، عن وجل، قد قدم لنا الحلول لمصائب نحن سببها بأن خلق لنا الأشجار لتكون مخازن للكربون، وفي هذا لآيات لأولي الألباب.
الغد