facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




"الأطفال من جميع الأعمار"


د. جواد العناني
01-09-2022 11:18 AM

تنطبق حالة الفوضى في بعض الدول العربية مع ما قاله الشاعر الجاهلي صلاءة بن عمرو بن مالك، الملقب بالأفوه الأودي لاتساع فمه، وما يزال كثير منا يتذكّر أبياته الشهيرة :

لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا

وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلاّ لَهُ عَمَدٌ وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ

إذا تولى سراة القوم أمرهم نما على ذاك أمر القوم فازدادوا

والأديب البريطاني وليم غولدنغ (1911-1993) والفائز بجائزة نوبل في الآداب عام 1983 نشر روايته الأشهر "سيد الذباب" (Lord of the Flies) عام 1954، وقد أثار الكتاب عند نشره ضجّة كبيرة بين رافضين له كتاباً سخيفاً، والمؤيدين له رواية واقعية تتكلم عن مجتمع غابَ عنه الكبار (السراة)، فضاعت القوانين، وضاق بها الأطفال من أبناء الأغنياء الذين تربّوا على اتباع القانون والأصول، ليرفضوها في سعيهم إلى حكم أنفسهم، فيَنْكَبّون على بعضهم بعضاً، ويتحولون إلى حيوانات متوحشة.

في أبيات "الأفوه الأودي" ملخص رائع للصورة المطوّلة التي رسمها وليام غولدنغ في روايته "سيد الذباب"، وأصل العنوان مأخوذ عن الإغريقية بيلزيبوب (Beelzebub)، والتي تحوّرت في اللغات السامية إلى كلمة "بال زيبول"، وتعني سيد الذباب.

وبحثت في المصدر الذي يمكن أن يكون قد أوحى لغولدنغ كتابة روايته الأولى هذه، فوجدت أنه استوحاها من مصدرين، الأول من قصة نشرت عام 1857 بعنوان "جزيرة المرجان: قصة المحيط الهادئ"، ومؤلفها البريطاني ر.م. بالانتاين، والتي تحمل فكرة دينية تقول إن أطفالاً على ظهر سفينة وجدوا أنفسهم على جزيرة معزولة، ولكن قيمهم الدينية وتربيتهم السوية، رغم غياب السّراة عنهم، تجعلهم يبنون نظام حكم سلساً تُطاع فيه القوانين، ويتقيد فيه الجميع بالمبادئ والسلوكيات والمعايير المتفق عليها.

ومن الواضح أن وليام غولدنغ لم يتفق مع ر. م بالنتاين في تفاؤله، بل انفلت أطفاله الأثرياء والمطيعون للقانون من كل التزام خلقي وديني تربوا عليه، وعادوا إلى حكم الغاب عندما كانوا يديرون أمرهم وحدهم على الجزيرة التي وجدوا أنفسهم عليها.

أما المصدر الثاني، فإن بطل القصة الذي يسعى إلى الحكم في سياق قصة "سيد الذباب" يختار رأس خنزير، ويتحوّل هذا الرأس المغروس على عصاة عمودية إلى المستشار والموجِّه لبطل القصة.

ألا يذكّرنا هذا برأس العجل الذهبي الذي يخور كلما هبّت الريح خلاله، والذي صنعه أتباع موسى التائهون في صحراء سيناء، حتى عاد عميدهم النبي موسى إليهم، ليعنف أخاه هارون، لأنه سكت على كفرهم.

والواقع أن الفيلسوف العربي ابن طفيل الذي كتب قصة حي بن يقظان من بين أربعة ساهموا في كتابة قصة بالعنوان نفسه، وهم ابن سينا وشهاب الدين السهروردي وابن طفيل، وآخرهم كان ابن النفيس الذي لم يتفق مع ما ذهب إليه ابن سينا.

ولكن رواية ابن طفيل التي تُغَلِّب العقل الذي يشكل كتاباً مفتوحاً تملأه التجارب الإنسانية هي التي سادت، فحي ابن يقظان الذي تلقيه أمه في اليم حتى لا يقتله أخوها الذي لم يرض بزواجها قد فعلت تماماً ما فعلته أم موسى، عندما ألقته في اليم. وقد ربت غزالة حي ، ولما ماتت، احتار في موضوع الموت، فبدأ يشرّحها ويتساءل عن الذي قضى بموتها.

وفي المقابل، نرى بطل قصة دانيال ديفو (Daniel Defoe) في كتابه الموسوم "روبنسون كروزو"، معزولاً على جزيرة بعد غرق سفينته، ويبقى وحيداً حتى ينقذ شخصاً آخر سمّاه "فرايداي" Friday، والذي جاء به إلى الجزيرة آكلة لحوم البشر، وسماه بهذا الاسم لأنه تعرف عليه يوم الجمعة.

وبالرغم من تباعد الثقافة بين الاثنين إلا انهما يتفاهمان في نهاية الأمر، ويتعايشان حتى يعودا إلى بريطانيا، ليجدا فيها بعد غياب 28 عاماً الأهوال والويلات.

افتراض الانعزال عن الناس، والعيش في ظروف خاصة، أكان المعزول فرداً أو جماعة منفلتة مثل "سيد الذباب" و"جزيرة المرجان"، نرى سيناريوهات وتحليلات مختلفة.

إن ما نشهده من شبه الانهيار الكامل في بعض الأقطار العربية، والتي نرى ونسمع بحواسّنا كلها ما يجري فيها من انشطارات وتشظّيات، وما يعترك على أرضها من نزاعات بين الجماعات والأعراق والملل، يقول لنا إن كل فريق يشكل جزيرة معزولة، وقد حُشر على أرضها أطفال من جميع الأعمار، ولكل منهم رأس عجل أو أي مخلوق آخر يمثل شيطانه الذي يوعز إليه بفعل الشر والقتال.

ونتساءل، نحن المفروض علينا شرور هذه الفتن بدون إراداتنا: هل هذا هو التجسيد الواقعي للآية 25 من سورة الأنفال التي تقرأ "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"؟.

لقد هلك الحرث والنسل، واستولت البغضاء على فسحة العقول والآمال، ولم يبق لنا ما يعذّبنا أكثر من تكرار المشاهد نفسها كل يوم.

نريد عودة السَّراة والأقوام الصالحين، لعلاج الأمور قبل أن يحلّ بنا ما حلّ بقوم عاد وثمود.

"العربي الجديد"





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :