تنظيم المدن احدى سمات المجتمعات المتحضرة، وتنظيم الطرق الرئيسية والفرعية فيها من أهم عوامل نشاطها وازدهارها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، ويعكس التنظيم عادة فكر الشعوب وثقافاتها، والفلسفة التي بنت عليها حياتها، وحسن إدارتها لها، بما في ذلك تخطيطها للمستقبل، ويتصل التنظيم ببعد النظر عبر التفكير أن القرى الصغيرة ستصبح مدنا في بلد فتي وعالم متطور متسارع ومتنام ولو بعد حين.
وفي سياق متصل بهذا الموضوع كتب لي واحد من الإخوة القراء المغتربين معلقا على مقالة سابقة لي عن حوادث السير، التي يعزو أسبابها (في جانب منها) داخل عمان, إلى عامل مهم، وهو مواصفات تنفيذ الطرق وتموجها، وعدم وجود خطوط وإشارات كما يقتضي الحال، إذ ينبغي أنّ تنفذ الطرق حسب مواصفات معتمدة وليس فقط مد الإسفلت على الطريق. ويركز في رسالته على ضرورة تسوية الطريق بشكل هندسي يريح السائق ويمنع التوتر الذي يؤدي إلى الحوادث.
ورغم أن التوتر لا تتسبّب به الطريق وحدها، وإنما أيضا عوامل أخرى عديدة، إلا أن المهندس محق فيما ذهب إليه، إذ قد يؤدي منعطف حاد أحيانا إلى التضييق على السائق المجاور واستفزازه، مثلما قد يؤدي انحدار شديد إلى ضعف القدرة على السيطرة، وكذلك يفعل ضيق النقاط الالتفافية وأحيانا سوء توزيع الإشارات المرورية
وهي مشكلات يمكن معالجتها هندسيا عند إنشاء الطرقات من حيث يمكن السيطرة على الطبيعة الجغرافية بصورة تخدم توفير المال العام لسنوات طويلة قادمة بدلا من العودة في كل مرة إلى محاولة معالجة الاختلالات التي كان من الممكن تلافيها مسبقا.
ورسالة القارئ العزيز تفتح الباب أمام عوامل السلامة المرورية على الطرق التي يهيّـئها حسن التنظيم الذي من شأنه أن يساهم في تحقيق الارتياح المنشود في القيادة فيسهم بدوره في الحد من حوادث الطرق، من مثل : وضوح الشواخص والدلائل والأهداف المرورية قبل مسافة كافية، وعلامات الطرق الأرضية ( الدهانات والعواكس)، والحواجز الواقية، والأسيجة، لمنع الحيوانات السائبة من التّسبّب في وقوع الحوادث ، ولمنع حركة المرور من الالتفاف غير النظامي على الطرق السريعة، وكذلك منع المشاة من عبور الطرق السريعة وتعرض حياتهم للخطر.
غير أن تخطيط المدن لدينا بعيد عن استراتيجياتنا البعيدة، فنحن نخطط لفترة قريبة وأحيانا قريبة جدا، ولم يقتصر الأمر في ذلك على عمان وإنما امتد إلى المحافظات التي باتت تشهد الآن إنشاء مؤسسات تعليمية كبرى، وإن نظرة إلى شوارع قرية مؤته مثلا التي تحتضن جامعة من ثلاثين عاما وتستقبل الطلبة من كافة أنحاء العالم يمكن أن يعطي صورة واضحة عن ذلك، لهذا فإنه من الضروري أن ينتقل تفكيرنا من فكرة إنشاء الطرق الزراعية الضيقة إلى أن نضع في الحسبان امتداد العمران وتحول هذه القرى في فترات قصيرة نسبيا إلى مدن وحواضر يصعب عندها معالجة مشكلاتها بدون كلف باهظة.
إن هندسة الطرق بشكل يبعث على الارتياح للحد من حوادث المرور يستحق الاهتمام، وتعيين المهندسين المبدعين لهذه الغايات القادرين على إيجاد حلول لمشاكل الطرق، وترك الاعتماد على المقاولين الذين لا يفكرون إلا بتوفير المال وكسب المزيد منه عند مواجهة العقبات أثناء إعداد الطريق.
فالطرق السيئة تولد الحنق والعنف، وضيقها يفجر المشاعر الغاضبة الكامنة في نفوس الناس، إذ بعض الأخطاء تصبح فادحة حين يضيع إصلاحها في الوقت المناسب، وتتطلب بعد ذلك كلفة عالية لإعادة تصويبها.
r eemmr24@yahoo.com
الراي.