الأنهار حول العالم تتبخر والعواقب ستطالنا جميعا
تهاني روحي
30-08-2022 11:30 AM
يتجاهل صناع القرار السياسي على مدى عقود التحذيرات من الأضرار الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي، لكن مع تفاقم تداعيات الظاهرة في هذا العام وتحديدا هذه الصيف، عادت الحكومات مضطربة تبحث عن حلول ترقيعية لحل هذه المشكلة. مما سيشكل اعباءا وضغوطا متزايدة على الأفراد خلال فصل الشتاء القادم ممن يعانون من نقص في مصادر الطاقة.
فنهر الراين الذي يمرّ عبر ست دول أوروبية، وبسبب موجة الجفاف المدمرة التي عصفت باوروبا هذا الصيف سيفقده أيضا الى جانب غزارته، رمزه الحضاري، كونه شريان حياة وخط نقل رئيسي في قلب أوروبا، إذ تراجع منسوبه بشكل كبير. وتلتها ايضا أنهار اوروبا جميعها التي أصبحت تتبخر خلال موسم صيفي قاس لم تشهده القارة العجوز منذ خمسة قرون، مهددا حياة اكثر من نصف سكانها.
وقد حذر الخبراء مرارا من تداعيات الجفاف الكبيرة على المستوى الاقتصادي، حيث ستؤجل عمليات نقل البضائع، فضلا عن تضرر حركة النقل السياحي. كما لم تسلم أنهارا أخرى عملاقة في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية والقرن الافريقي من هذه المشكله، حيث تواجه جفافًا سئيا مما ينذر بأزمة جوع عالمية.
وتعود الاسئلة والافكارتتزاحم مجددا: من هو المسؤول عن آثار التغير المناخي؟ومن سيدفع كلفة الأضرار سوى الافراد ؟ وما هي الإجراءات التي ستضمن تمثيلاً عادلاً في عملية صنع القرار؟ ومن سيتحمل هذه المسؤولية. إذاً هو ليس التحدي القائم أمام العالم تحدياً تقنياً فحسب بل أخلاقياً أيضاً، والذي سيتطلب تحولاً في الأفكار والسلوكيات.
واليوم، حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) من أن القرن الإفريقي، يشهد أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من 40 عاماً؛ وسيواجه كثر من 18 مليون نسمة جوعاً شديداً الأمر الذي كان له تأثير مدمر في الزراعة وإنتاج الغذاء. كما ان أكثر من 43% من أراضي امريكا تعاني الجفاف، وأكثر من 130 مليون شخص يتأثرون حالياً بالجفاف، فيما خسر الاقتصاد الأمريكي ما يقدر ب 300 مليون دولار، بسبب الجفاف وما يرتبط به من فساد المحاصيل .
كل هذه االتحذيرات والتي ستطالنا جميعا تجعلنا ننظر إلى هذا تحدي عبر منظار آخر، يتصور البشرية ككل موحد، فخلايا الجسم البشري اللامتناهية عدديا من الخلايا المختلفة في الشكل والوظيفة، الا أنها متحدة في الهدف المشترك الذي يسمو فوق الغرض الذي صنعت من أجله أجزاؤه المركبة. اذن انه أكثر من مجرد دعوة للتعاون؛ وإنما يسعى إلى إعادة صياغة وتشكيل أنماط من التفاعل البشري عفا عليها الزمن واتسمت بكونها غير عادلة، لتحل محلها أنماط أخرى تعكس الروابط والعلاقات التي تجمعنا كأعضاء عائلة بشرية واحدة.
فالاحتباس الحراري والتغيير المناخي لا يعترف بالحدود ويلغي الفواصل ما بين البشرية جمعاء. لا بد للنظر إلى أبعد من مجرد مجتمع دولي يحركه نظام اقتصادي منفعي في مجمله، بل إلى حيث يتشارك الكل في المسؤوليات لتحسين بيئة هذا الكوكب الذي نتقاسمه.
ستتطلب الإستجابة للتغير المناخي تغيرات عميقة على مستوى الفرد والمجتمع ودول العالم. اما الحلول الانية، قد تكون في تبني تقنيات زراعية مستدامة وفاعلة لزراعة المزيد من الغذاء على مساحة أقل من الأراضي وبمياه أقل، كما يمكن للافراد تغيير علاقاتهم بالأغذية والأعلاف والألياف، والانتقال نحو النظم الغذائية القائمة على النباتات، وهنالك حاجة ماسة إلى تطبيق سياسة منسقة وشراكات وتمويل على جميع المستويات، للمضي قدماً في تقديم خطط عمل متكاملة لمكافحة الجفاف.