facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




غض النظر في خطر!


علي الزعتري
30-08-2022 11:07 AM

يقول الكثير من الناس أننا نرضي الانكشاف الجسدي في الخارج وننظر إليهِ في وسائل الاتصال من التلفزيون للانستغرام و ما هو أدهى و ألعن ثم نخفي هذا النفاق وراء مقولةِ غض النظر، أو غض النظر المرحلي الوقتي، بمعنى أنه لو حانت الفرصة ينطلق النظر من الحدقتين بتمعن و لو ضاقت الفرصة لوجود رقيب فسنغضهُ. ليس خشوعاً و لا مخافةً من وازعٍ ديني و لكن ممن حولك من المراقبين. و هذا واقعٌ لا يقتصرُ علي الرجل فالمرأة تنظر و لها نفس الحكم و تتبع كذلك ذات التصرفات التي يتصرفها الرجال.

كانت مصيبة سيدنا آدم و زوجهُ سيدتنا حواء رؤيةَ سوآتهما، و هي العورات، و كما وصف القرآن الكريم حالهما لحظتها، فقد أدركا، و لم يكونا مدركان قبلها، مدى فداحة هذا الأمر، فسارعا لتغطية السوأة بورق الجنة. و بعدها و لليوم عند البشر سَترٌ و انكشافٌ فيما يتعلق بالجسد و الأخلاق و التعاملات. سادت في أزمنةٍ المسؤولية للإحساس بالحياء والخجل و التقرب للدين والالتزام بالقانون ثم غلبتهم عاداتٌ و تقاليدٌ مستحدثةٌ اخترعها البشر لضرورةٍ أو للتسلية. لا يرى رجال و نساء بعض القبائل في الأمازون و أفريقيا و غابات آسيا ضيراً في الحياة بدون ملابس. عند القبائل هي تقليدْ و عادةُ حياة. و في الشواطئ حين يتجرد البشر من ملابسهم وبعضهم عراةً بالكامل، و هم المتحضرون عكس تلك القبائل، فهي تسليةٌ و عادةٌ دخلتا نطاق الحرية و الاختيار الشخصي. المضحك أن أجداد بعض هؤلاء المتحضرين أبادوا شعوباً في القارات الثلاث لأنهم كانوا، ضمن أمور متعددة، غير متدينين و مستوري العورات. ثم عاد المتحضرون ليتعروا باسم التحضر. المهم، هناك تجاذبٌ دائمٌ في العالم بين الشعوب للستر و الكشف، و هو عند كل الشعوب و يكتسي بالدين و العادات و الحاجة. لا تدخل السيدة، و قد تكونُ ضامنةَ الحريات ببلادها، لتلتقي البابا في الڤاتيكان، وهي في زيارةٍ رسمية، دون ستر جسمها و تغطية رأسها. هذا هو التقليد البابوي. والراهبات مثالٌ علي الستر المتواصل و جذره إيمانٌ مطلقٌ و نفيٌّ لحاجات الجسد. وعند اليهودية تعاليم الستر واجبة عند طوائف. و نحن المسلمون لنا تعاليمنا المعروفة كذلك. و عند جميعهم معارك تدور بين معسكري الستر و الكشف باسم الدين و باسم الحرية.

لكنهُ صار من الصعب جداً أن تُغَلِّفَ الحكومات و الأديان معظم المجتمعات بغلافِ الستر، لو أرادت. بلادٌ بل معظمها لم يعد يأبه حتى في أكثر البلدان تحفظاً من الناحية الدينية هناك قواعد تُكسر كل لحظة فيما يخص الستر و الكشف، و الناس في هذا مختلفون اختلاف الليل و النهار، و منافقون كذلك في غض النظر كما قلنا في البداية. لكننا نرى ونقرأ عن حالاتٍ في أكثر المجتمعاتِ انفتاحاً و إن كانت استثناءً لا تقبل الكشفِ عن الجسد بعد حدودَ مُعينة. شركةُ طيران أمريكية منعتْ راكبةً من ركوب الطائرة ما لم تستتر. غير مألوف هذا في مجتمعٍ يعبد الحرية الشخصية. و هناك من الأماكن غير الدينية مثل المطاعم و المسارح و النوادي لا يمكنك دخولها دون ملبسٍ ملائم لا تحدده أنت. هو سترٌ ليس بالستر بل تقليدٌ. بكل تأكيد، هناك الشعور بالحاجة للستر عند كل إنسان، ولو كان كاشفاً و عارياً بامتياز الحرية الشخصية. السترُ الذي أعنيهِ هنا و يطلبه المستور والمكشوف هو عدمُ التحديق. رجلاً كان أم امرأة مستتران أم كاشفان يقاومان بالاستهجان و ربما بالشتم و العراك من يحدِّقُ بهما بلا سببٍ واضحٍ. و هنا قد يطول التحديق أو يقصر و سيطول حتماً في حال الانكشاف لأنه جاذبٌ للنفس البشرية الفضولية. أظن أن فطرةَ و طبيعة الإنسان أن يكون خاصاً و لو مشى عاريا، كما اكتشف آدم و حواء في الجنة. فالإنسان يريد أن يتحرر من قيود الملبس و الأعين و يمكنه ذلك داخل غرفته دون فضول لكنه يتحدى نفسه و المجتمع عندما ينقل الحرية للعامة و يغضب عند التحديق به و التعليق. و هكذا تمضي الدنيا، فيكتسي الناس و يتعرون حسبما ترضى نفوسهم بالحرية و يختبرون حدودها دائماً مستندين علي القناعة الذاتية و وازع الدين والخوف من عيون المتلصصين. و العتب عندها هو علي الذين لا يجارون الزمان والمكان. أذكر في بعض الدول في الستينات و السبعينات حينما انتشرت عادة الشعر الخنفسي و الفستان القصير أن مقصات الشرطة لاحقت الخنافس في الشوارع لتقص شعورهم تشويها كما لاحقت لابسات القصير لتدهن أرجلهن بالسواد. و ما نفع المقص و لا الدهان بل زادا من التصميم علي الخنفسة و لبس القصير و تراجعت الشرطة. كما قلنا، أكثر الدول حرصاً علي الأخلاق العامة المتمثلة بالملبس لا تستطيع فرض قوانين كاملة و لا إجبار الناس عليها بالمطلق.

في القرن الرابع عشر هجري و الواحد و العشرين ميلادي نرى الانكشاف يصبحُ الحالةَ العامة، و التحديقُ حداقةٌ و غض البصر مستحيلاً و يمكن أن يكون عند البعض سذاجةً. فأينما اتجهت ستجدُ انكشافاً جسدياً للمرأة و الرجل مما يؤذي العين و العادات و التقاليد و الأديان. لا نعلم لهذا الانبهار بالكشف عن الجسد بهذه الطرق الفجة أساساً إلا ما يتصلُ بالنفس و هواها و التقليد. لم يعد لكلمة العيب من معنىً عميق فهي تتلاشى من كلامنا وتصرفاتنا العامة إلا ما ندر، و لست أبالغ. بل ربما، و هو المضحك و المصيبة، أننا كمجتمع نرضى بالانكشاف الجسدي عاماً و خاصاً لأنه ما من قدرة و عند كثيرٍ ما من قناعة بجدوى الاعتراض. من يتجرأ ليعلن اعتراضاً يوصفُ بالتراجع عن المألوف العالمي الذي وصلنا له. و لا مهربَ إلا في غض النظر المستمر و التجاهل و اعتزال الناس ما أمكن. و هذا غير معقول و لا ممكن. الانكشاف في الشارع و السوق و هي أمكنة عامة، و الانكشاف صار ما تقتضيه مستلزمات اجتذاب السياحة. لا يقدر أحدٌ أن يمنع أشباه العرايا من هذه الأماكن. وقفهم يعني عدم ارتيادهم لها و تعطيل السياحة و التجني علي الحرية الشخصية. مسألةٌ اقتصاديةٌ ومعيشية تركها المشرعون تسير علي هواها. سيسأل البعض عن حدود الستر و الانكشاف. و الحدود معروفةٌ دون جهد. وسيسألون عن الحرية الشخصية و تقييدها. والحرية كما قالوا تنتهي عندما تؤذي. و سيقولون ما لنا و هذا الموضوع "التافه" في زماننا الذي لا يمكن وقف سيله المنهمر من الحريات و أن كل ما يلزم هو أن يلتزم الفرد بحدوده فيقبل الموجود ولا ينظر ولا يشكو و يترك الأمور تسير و تصير. من قال أننا نستطيع وضع حدود أو أن نقيد حريات؟ و بالفعل فإن ما نفعله هو أن نلتزم بحدودنا فنسعى للغض من النظر و لا نختلط كثيرا مع الحياة العامة لكي لا نرى ما يسوؤنا. لكن ما يسوؤنا صارَ مع كثيرٍ من الأسف أكثر شيوعاً مما يسعدنا. لم يقتصر الانكشاف علي المرأة و طال الرجال، في كل الأماكن، حتى وصل للمساجد و إن بالطبع دون قصدٍ. فليس غريبا أن ترى ذلك بين المصلين الذين لا يرتدون ما يليق للمسجد و بعضه يكشف من الجسد ما ينقض الصلاة للأسف الشديد، و حتى هنا بالمسجد صار هناك مطلبُ غض النظر فيما لم يكن هذا مطلوبا في السابق.

أظن أننا نضيع في فوضى بابلية حين اختلط الحابل بالنابل و أننا وصلنا لمرحلة انفكت عنها المؤسسات التي لا تريد التدخل لضبط ما لا يمكن ضبطه. و كيف تفعل هذا و عنوان الزمان هو الإلحاح للتقدم و الثراء و هما لا يأتيان دون فتح الأبواب و كشف الأستار. هي العودة للذات و أخلاق الذات إذاً. الاختيار الفردي. فعندما المجتمع يفقد أخلاقياته و يتحور لنوع هجينٍ من الكيانات، و الذاتُ ترى في هذا ما يؤلمها، فالأفضل أن تتوارى وتختفي ما أمكنها. و ليس هذا معقولاً كذلك.

إنها حيرةُ النفس البشرية. من يقرأ التاريخ يَكَوِّنُ صورة عن المجتمعات السابقة التي وصلت لهذه المرحلة و يستنتج أنها ليست إشارة إيجابية، فرطُ الحريات، بل فارقةٌ حاسمة بين زمانين و حدثين. كتابُ الله يكفي لإثبات هذا. فهل من يعتبر؟





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :