خيارات فلسطينية: رامون وترحيل الازمة
سيف الله حسين الرواشدة
29-08-2022 03:53 PM
أثارت أخبار فتح باب السفر لحملة الجواز الفلسطيني من مطار رامون لعدة وجهات عالمية الكثير من الجدل والمقارنات المادية واللوجستية والأخلاقية، بين خيار المطار والجسر، وما تختزله هذه الخيارات، من انقلابات فكرية وأنماط حياة ( اقتصادية واجتماعية)، فالصورة النمطية (الرومنسية) للفلسطيني الثائر على كل ما يرتبط بالاحتلال، والذي لا يكترث للمغريات المادية ويقاوم ظلم الاحتلال ببسالة الصمود، يقابلها صورة واقعية تتمثل في ١٤٠ ألف عامل فلسطيني داخل الأراضي المحتلة، يشكلون رافدًا اقتصاديا أساسيا بالنسبة للضفة الغربية، زد على ذلك محاولات السلطة الفلسطينية فرض ضرائب على دخول هؤلاء العمال عبر صرف مستحقاتهم من خلال البنوك واستقطاع الضريبة منها فورًا.
في السنوات الماضية عملت إسرائيل على إعادة هندسة "الفلسطيني" في الضفة الغربية ( مواطنين وسلطة ) على حد سواء، عبر العزف على الوتر الاقتصادي المرتبط بالتقييم الأمني بالنسبة للمواطنين ( الذي يتحكم بمنح الكرت الممغنط ) الذي يخول صاحبه بالدخول الى أراضي الداخل المحتل، ومستوى التنسيق الامني بالنسبة للسلطة الذي تتحكم إسرائيل بمواردها الضريبية، اذ تريد بهذا اختزال أي مطالب بالدولة الفلسطينية بتحسين الأوضاع الاقتصادية فقط، وفصل العاملين بالسلطة عن قواعدهم الاجتماعية ،لتفقد الأخيرة شرعيتها وتتحول من ممثل للفلسطينيين الى جهاز أقل تكلفة للسيطرة عليهم.
تأسست السلطة الفلسطينية نتيجة لاتفاق أوسلو ( الاتفاق الذي جاء ابان الانتفاضة كمحاولة للسيطرة عليها وتقليل كلف ادارتها ) بين منظمة التحرير وإسرائيل، كهيئة مؤقتة لمدة خمس سنوات، ومقدمة للدولة الفلسطينية بانتظار الحل النهائي، ومع تتابع موجات التطبيع، ومعاهدات السلام لأجل السلام، ومحاولات إعادة احياء صفقة القرن ووعود الازدهار الاقتصادي، وما سبق كل هذا من شرّعنة للمستوطنات ونقل للسفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس وشطب لملف عودة اللاجئين، تكون حقبة أوسلو قد انتهت بشكل رسمي بكل منتجاتها وتبدلت ثوابت المفاوضات والمرجعيات وموازين المصالح.
في ضوء ما سبق يمكن للسلطة أن تفكر بخيارين: إعادة انتاج نفسها للانسجام مع تطلعات قواعدها الشعبية واحتياجاتهم حتى تتمكن من البقاء أو حل نفسها، خاصة بعد فشل الجهود الدبلوماسية في حشد التأييد لتمرير أي قرار لصالحها في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة في الأعوام الماضية مما يؤكد أن قواعد اللعبة الدبلوماسية تغيرت ايضًا.
تواجه السطلة واقعًا صعبًا في الداخل الفلسطيني، فحسب دراسة قام بها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات فإن ٨٤٪ من الفلسطينيين يؤيدون انسحاب السلطة من اعترافها بإسرائيل و٧٧٪ يطالبون بإيقاف التنسيق الأمني، و٦٩٪ يدعمون الانسحاب من كل بنود اتفاقية أوسلو. وهذا يضع شرعية السلطة في محل الاستفهام، فسياساتها لا تتطابق مع رغبات الشارع الذي يعتقد أن السلطة أصبحت أداة أقل تكلفة لاستمرار الاحتلال، الذي يوفر الكثير من الحلول الاقتصادية للواقع الداخلي الصعب.
الجدل اليوم لا يجب أن يكون حول تكلفة السفر عبر الجسر التي قد تصل الى حوالي ٣ أضعاف تكلفة السفر عبر رامون، إضافة للمشقة النفسية والبدنية، لكن يجب أن يدور حول الانسان الفلسطيني ومشروع الدولة الفلسطينية، والدور الأردني في بناء الاثنين وحمايتهما، وقد نكون أمام فرصة الذهبية في ظل اقتراب الانتخابات الإسرائيلية وحكومات التحالفات الهشة، لترحيل الازمة من رام الله الى تل أبيب والتأثير على نتائج التصويت والوضع الداخلي هناك عموما، فالمجتمع الإسرائيلي منقسم بين اليمين بمقابل اليسار والوسط، وكلاهما فاقد للأغلبية المريحة لتشكيل حكومة قوية حسب كل استطلاعات الرأي، فلماذا لا تجعل السلطة (المدعومة أردنيا) خيار الانحياز لغير مصالحها خطيرًا وغالي الثمن؟