حقيقة لا ادري ماذا أصاب أخلاقنا، فلقد كنا حتى زمن ليس ببعيد نصمت بحضرة الغياب والفقد، نحترم الآلام واحزان الآخرين، نواسي بكلمات قليلة ولكنها نابعة من صدق في المشاعر والأحساس، فما الذي تغيير حتى اصبحنا في سباق محموم بوسائل التواصل الإجتماعي من منا الذي سيضفي على خبر وفاة احدهم او احداهن مزيد من الإثارة.
و قد يتطور الامر لدى البعض بمحاولة نسج قصة من بنات افكاره عن سبب اقدام المتوفى على مغادرة الحياة ووضع نهاية لحياته بتحليل الاسباب والمسببات، بل ولقد وصل الأمر بأحدهم أن يعمد الى نشر محادثاته الخاصة مع المتوفى بغض النظر عن محتوى هذه المحادثات، يقوم بنشرها على وسائل التتواصل الإجتماعي دون أدنى وازع أخلاقي او ضمير، متناسيا أن للموتى حرمة لا يجوز إنتهاكها او الإعتداء عليها بأي صورة من الصور.
فللموت هيبة ورهبة تجعلنا عاجزين عن تفسير قيام البعض بتلك المسلكيات التي تعبث بقدسية الانسان وأن انقطعت حياته، فإن انقطاع الحياة يرتب له حرمة لا يجوز الإعتداء عليها، ليس فقط من منطلق إخلاقي فحسب بل أن القانون أيضا يحمي حرمة المتوفى، ويوجب إيقاع العقوبة على مرتكب هذه الأفعال، فهذه المحادثات تندرج تحت بند الخصوصية والسرية التي لا يجوز باي حال من الاحوال نشرها وإطلاع الغير عليها، وهذا يقاس على أي إنسان في حياته، فلا يوجد أحد منا يرغب في نشر محادثاته الخاصه على الملأ.
يفسر البعض أن هوس وجنون الميديا قد وصل الى اكثر الاماكن إحترام وقدسية في حياتنا، بل تعداه الى محاولة خلق نوع من التشويق في السرد، رغبة في الوصول الى مزيد من المتابعين وتجميع مزيد من اللايكات على حساب قيمنا وعاداتنا التي أصبحت على المحك، فلم تكن المتاجرة في الآلام واحزان الآخرين يوما ما من شيمنا او أخلاقنا التي كنا نفخر ونعتز بها .
و لعل في الأحداث الاخيرة التي شهدناها مؤخرا ما يشير الى هذا التغيير الذي حدث في منظومتنا الأخلاقية العامة، فلقد اعطى البعض لنفسه الحق في تناول الحياة الخاصة لأشخاص رحلوا عن عالمنا، غادروا هذه الحياة تاركين خلفهم أهل وأحبة يتألمون لذكراهم، ثم يأتي من ينكأ جراحهم والآمهم دون أدنى خلق او وازع من ضمير .
بل لقد وصل الامر باحدى الممرضات في أحد الدول المجاورة الى تصوير ونشر فيديو لجثمان أمرأه لاقت ظروف وفاتها زخما إعلاميا كبيرا وموجة من الغضب الشعبي الناتج عن الظروف التي احاطت بمقتلها على يد أحدهم، وكل ذلك تم سعيا وراء حشد نسب مشاهدات عالية لمقطع الفيديو المصور، هذه الرغبة في حصد اللايكات دون أدنى مسؤولية او ادراك لمدى خطورة الإقدام على هذه الأفعال التي تجرمها الأخلاق قبل أن يجرمها القانون ويعاقب عليها .
فهل بتنا نحتاج الى إعادة ضبط للمنظومة الأخلاقية والإجتماعية قبل أن تتحول هذه المنصات ( التي هي في الأصل وجدت للتواصل الفكري وتبادل الآراء حول القضايا المصيرية والإنسانية )، من منصات للتواصل الاجتماعي الى منصات للتنازع والتناحر الاجتماعي ؟.
"الدستور"