لا تدعو المؤشرات الأوّلية إلى الاطمئنان بأنّنا سنشهد انتخابات نيابية بمذاق مختلف، ترد الاعتبار لمؤسسة البرلمان وللثقة الشعبية بها، وتمسح جزءاً من آثار "الانتخابات- الفضيحة" السابقة!
أكبر حزب معارض في البلاد، جبهة العمل الإسلامي، الذي يمتلك نفوذاً كبيراً في الشارع، يغيب عن الانتخابات، ويقود جهوداً في الاتجاه المعاكس، بتأسيس "جبهة الإصلاح الوطني"، بعد أن فشلت الجهود الرسمية في إقناع الحزب بالمشاركة، وبتوفير ضمانات النزاهة، بمراقبين داخلياً وخارجياً.
التيار الوطني، الحزب الجديد، الذي تأسس لمواجهة الإسلاميين، يعلن أمس قائمته الانتخابية، التي تتضمن عدداً كبيراً من النواب السابقين، ونسبة كبيرة منهم لم تترك أي بصمة أو أثر في الحياة النيابية، فضلاً عن أنّ القائمة خلت من الأسماء القيادية في الحزب (صالح ارشيدات، نصوح المجالي، سامي قموه)، أو من أسماء تسدّ الفراغ بعد أن حسم مهندس التيار عبد الهادي المجالي، أمره بعدم الترشح، والاكتفاء بمقعد الأعيان.
الأجواء العامة لا تمدّنا بشعور بأنّنا أمام مناخ سياسي جديد أفضل، يمنح الناس أملاً ببرلمان قوي مختلف وشرس في مراقبة الحكومة وحمل مصالح الناس.
في المقابل، تسود حالة من الرتابة واللامبالاة حتى في صوغ البرامج الانتخابية، التي لا تجد فيها أي جهد حقيقي جادّ، سوى بعض "اللمعات" من المطالب والمواقف المبدئية المعروفة مسبقاً.
محاولات جديدة تتمثل اليوم بحزب الجبهة الموحّدة، وبعض المرشحين القوميين واليساريين، والوسط الإسلامي، والإسلاميين الخارجين من عباءة الإخوان، لكن لا توجد علامات على إمكانية إحداث "اختراق" حقيقي من خلال تيار سياسي جديد وخطاب استثنائي قادر على إثارة الشارع ونفض الجماهير وتحريك المياه الراكدة.
الحراك الوحيد الفاعل، لكن المقلق في الوقت نفسه، هو التنافس على قواعد عشائرية، وقد أرسلت أحداث مؤخراً برسائل غير مطمئنة على مسار الانتخابات، عندما وقع شجار داخل إحدى العشائر الكبرى في عجلون على خلفية انتخابات داخلية.
منذ البداية، أشرنا إلى أنّ فكرة "الدوائر الافتراضية" مقلقة جدا، وأنّها بدلا من جبر الانقسامات والتوترات الاجتماعية ووقف نمو الهويات الفرعية، فإنها ستعزز الولاءات الضيقة والرجوع إلى الانتماءات الأولية وتقزيم الحسابات الانتخابية إلى الكسور العشرية، بدلا من السير في الاتجاه المعاكس.
يعمل "المطبخ السياسي" في الحكومة على رسم الخطط لمواجهة تحدّيين كبيرين يوم 9/11، (الأول) في رفع نسبة الاقتراع والتأكيد على شرعية الانتخابات، و(الثاني) في إثبات نزاهتها من خلال الرقابة الداخلية والدولية. لكن التحدي الثالث الأخطر، الذي يجدر التحسّب له من الآن، يكمن بحماية "السلم الاجتماعي" من مفعولات الدوائر الافتراضية في تعزيز التنافس على قواعد عشائرية، لا حزبية ولا سياسية.
الحكومة استجابت لدعوات "إطفاء الحرائق"، فأنهت أزمة الإعلام الالكتروني والمعلمين، وقامت خلال الأيام الماضية بالانفتاح على القوى السياسية والنقابات، وأحدثت تحوّلاً كبيرا في المزاج السياسي تجاهها. لكن ما تزال الشكوك قوية حول قدرة الانتخابات المقبلة على انتشال المزاج العام من إحباطه وخيباته، فهل هنالك خطوات أخرى وفرصة ممكنة ما تزال قائمة لتحسين شروط الانتخابات، وتدارك المؤشرات السلبية، فالشعور الذي يراودنا أنْ ثمةَ شيئا ما خطأ!
m.aburumman@alghad.jo
الغد