دعاني صديق الى سهرة في منزله، وهو مهندس كان مقيما في امريكا.
و لم اعرف ما هو سبب المناسبة ولا مقصدها، ولا اي شيء، وغير اني انحرجت من الاعتذار عن الدعوة.
و في السهرة تفاجأت بعشرات من الحضور، وضمت الجلسة اقارب واصدقاء وزملاء عمل للمعزب.
ومن تركيبة الحضور فهمت ان هناك من جاؤوا من خارج الاردن، وهناك من هو مغترب في بلاد اوروبية وامريكا، وهناك من يعيش في الاردن.
رحب المعزب بالضيوف، وتعرفنا على بعض، ودار حوار ونقاش وتبادلنا الكلام، وانا اسميه كلاما وثرثرة، و» طشي «، لانه بلا عنوان وقيمة .
المعزب حاول الاهتمام بي كوني انتمي الى جيل اصغر من الضيوف، وهم يتشاركون الجيل والعمر، و في المدرسة والدراسة الجامعية،
والعمل داخل وخارج الاردن.
بعد حوالي ربع ساعة من السهرة ، سألني المعزب عن سر صمتي، ولماذا لم اتداخل واشارك بالحوار، وحتى وانا اسمع نكات ما اضحكني شيء.
كنت مستغرقا في سماع كلام الحضور، ومستغرقا في ادق ما يقولون وما وراء الكلام، ومن اين جاؤوا بهذا الكلام.
تطرقوا الى شؤون سياسية واقتصادية عامة محلية وكواليس السلطة ، وتطرقوا الى اسماء شخوص سياسيين وغيرهم.
واكثر ما اثار انتباهي، ودفعني لاكتب هذه السطور حجم الاغاليط والاشاعات والمعلومات المدسوسة المتداولة للاستهلاك في سهرة المعزب الغانم.
وخطر ببالي ان امسك قلما وشريط تسجيل، واطلب من كل واحد ان يدون من اين جاء بمعلوماته، وما هو مصدرها ؟
ولأني ابن مهنة الصحافة، واعلم اصولها، واعلم كيف يصنع الخبر والاشاعة، واميز بفراسة الصحفي بين الصادق والكاذب والمغلوط والاشاعة لمجرد سماع الخبر او المعلومة.
وما سمعته في الجلسة ثرثرة كلام فيسبوك وواتس اب ، واستهلاك لكلام مفبرك واغاليط واشاعات، وما سمعت كلاما موثوق المصدر او جملة او عبارة يمكن ان تنقلها.
و الادهى والامر ان اطباء ومهندسين ووجهاء وقورين ينقلون كلامهم عن صناع ومنتجي التفاهة والكذب والسماجة على الفيسبوك.
و تتفاجأ احدهم يقول : انه فلان قال.. وفلان اعرفه، امي، لا يعرف يقرأ ولا يكتب، وفلان اخر مرة طلع من داره قبل سنة، وفلان ان قرأ لا يفهم، وان فهم لا يعرف ان ينقل الكلام، وفلان لا اثق به ان يشتري علبة كبريت من دكان ، فما بالكم ان يروي ويحكي للناس عن شؤون بلاد والعباد .
حافظت في الجلسة على صمتي وتوازني، ورغم ان الكلام اثار غضبي وازعاجي، وكاد ان يخرجني عن طوري من شدة التفاهة والاندلاق وراء التافهين.
كنت قبل ذلك الوم غير المتعلمين والناس الغلابة والبسطاء في نقل اخبار وتداول والسماع الى سخيفي وتافهي الفيسبوك، ولكن صدمني انحدار طبقة اكاديمية ومثقفة ونخبة من الخبراء واهل الاختصاص وانقيادهم وراء موجة تفاهة الفيسبوك.
لا اظن ان الامر يخص جلستنا والمعزب والضيوف المحترمين.. وانها ظاهرة على امتداد وكبر الوطن الغالي ، وقد سمعتها من كثيرين ذات الكلام المتداول للاستهلاك، ونواجهها كصحفيين، ولأن الناس فضوليون ومستفزون، ويسألون ليعرفوا الحقيقة وجزءا من الحقيقة منا.
في ذات السهرة رفضت التعليق ووجهت الي اسئلة كثيرة، ولم ابخل بنصيحة الحاضرين بان يبتعدوا عن مصادر التضليل والخداع، ويتبعدوا عن مروجي تفاهة الفيسبوك..وملاحظتي ايقظت لدى البعض روح الانتباه والاهتمام، والخجل من انفسهم جراء ما اقضوا ليلة وهم يثرثرون.
قد يقول البعض : انه داء العصر، وإنه داء الحياة الرقمية، وداء زمن الفيسبوك والسوشل ميديا.. وقد ايقظت السهرة سؤالا مؤلما عن الانحدار الذي يصيب حياتنا والافلاس العام، وفقدان الثقة وانعدام الاخلاق والمعايير، وكيف تحول تافهين وساذجين وامعات الى واجهات للرأي العام وقادة ومؤثرين ؟!
(الدستور)