خلال جلسة مع مسؤولين في وزارة التربية؛ حدث نقاش حول نتائج التوجيهي هذا العام، وكان من ضمن الأرقام الصادمة أن 85 % من الاوائل على مستوى المملكة هن إناث!.
هذه النسبة استوقفتني كما استوقفت الحاضرين في تلك الجلسة، حيث كان فحوى النقاش عن أسباب هذه النسبة المرتفعة بالرغم من ان نسبة الذكور المتقدمين للامتحان متقاربة لنسبة الإناث، ونفس الخدمة التربوية تقدم للطرفين دون تمييز.
عند البحث عن أسباب هذا التفوق «الجندري «تبرز عدة عوامل حاسمة لهذا التمييز؛ حيث إن العوامل الاجتماعية والثقافية والتربوية تلعب الدور الاساسي في تفسير هذه الظاهرة.
واذا تعمقنا في الأسباب بشكل مفصل نلاحظ تأثير المنظومتين الاجتماعية والتربوية، واللتين تظهران جلياً من خلال طبيعة التربية التي تتلقّاها الإناث والمختلفة جذرياً عن نظيرتها عند الذكور؛ حيث هذه التربية تجعل الفتيات يتعوّدن على نوع من الانضباط في السلوك، ما يجعلهنّ بالتالي أكثر انضباطاً من الذكور في المدرسة، ويعود الانضباط عند الاناث إلى كونِهنّ يحظين بتتبّع دائم من طرف أسرهنّ بالمقارنة مع الذكور – ليس في المدرسة فحسب- بل في مختلف مناحي الحياة، كذلك نتائج هذه التربية التي تتلقّاها الفتاة منذ طفولتها تجعلها أكثر قابلية للانتباه والتنظيم وإتمام الواجبات وحسن الإصغاء واتباع التعليمات بدقّة اكثر من الذكور.
التمييز الجندري والمجتمع الذكوري – خصوصاً في عالمنا العربي- يدفع الاناث الى أن يكنّ أكثر إصراراً ومثابرةً وصبراً خلال فترات طويلة، ويدفعهن بالقيام بمجهود مضاعف من أجل إبراز نجاحهنّ وكسب مكانتهنّ باستحقاق، عكس الذكور الذين يشعرون بالتفوق والتميّز لمجرّد أنّه ذكر، الأمرُ الذي لا يدفعه لبذل مجهودٍ كبير لإثبات ذاته ومكانته.
وهنا يبرز سؤال يُطرح بشكل متكرر؛ هل هذا التفوق ناتج عن كون الاناث اذكى من الذكور!، وهل الاناث فسيولوجياً او بحجم الدماغ يعكس هذا التفوق!.
الجواب العلمي هو «لا»؛ حيث حجم الدماغ عند الذكور اكبر ووزنه أكثر بحدود 100g، وفسيولوجياً الذكور ليس لديهم هرمونات تتحكم في مزاجهم ونفسيتهم مثل الاناث.
وحسب هذه المعطيات فإن المفروض ان يكون الذكور اذكى وتحصيلهم اعلى ولكن العكس هو الصحيح .
هذه الظاهرة تتكرر كل عام وبنسب متقاربة، واذا بقيت هذا النسب لفترة طويلة فإن ذلك سيؤدي الى اختلال في نظام المجتمع وتركيبته، وهذا فعلياً ما أصبحنا نراه في مهن محددة، حيث مهنة التعليم أصبحت فيها بطالة عالية في الاناث مقارنة مع نقص عند الذكور، وحتى المهن الصحية مثل التمريض يلاحظ نقص في الذكور مقارنةً مع زيادة في عدد التمريض الاناث….
ليس المطلوب تقليل نسب تفوق الاناث، ولا محاربة هذا التفوق المستحق لا بل يجب دعمه؛ «لكن» المطلوب في الجانب الآخر هو رفع نسبة تفوق الذكور أيضًا، بحيث نعيد التوازن الذي اختل في آخر فترة.
ولتحقيق ذلك لا بد من التركيز على الدور العائلي في توفير الجو الاسري والبيئة المدرسية الهادفة لزيادة الدافعية عند الذكور للتحصيل والتفوق، ومضاعفة اهتمام اولياء الأمور بمشكلات أبنائهم ومتابعة تحصيلهم أولاً بأول، كما على المعلمين في مدارس الذكور استخدام اساليب وطرق وانشطة جاذبة للطلبة في المدارس والاهتمام بهم ومراقبة سلوكهم وتقويمه وبناء صداقات تشكل عامل دفع للطلبة للتفوق.
(الغد)