لا أدري ما بال المجتمع الأردني والمؤسسات والمنظمات والحكومات، ترى هذه المجازر والجرائم وتراقبها من بعيد، يكتفى فقط بالترحم على الضحية، والمطالبة بمعاقبة الجاني شنقا أمام الناس ليكون عبرة لمن يعتبر ومن ثم يتم الانتقال لتداول أخبار جريمة أخرى تأتي سريعا من بعد، أصبح الاستيقاظ على خبر زوج قتل زوجته أو زوجة سكبت الزيت المغلي على زوجها، أو طفل تم اغتصابه وقتله وتقطيعه إربا ورميه أمرا طبيعيا تم الإعتياد عليه.. فعليا وللأسف يتم الاهتمام بما بعد الجريمة وليس قبلها.
الكثير من النظريات تتحدث عن أسباب ارتكاب الجريمة مثل الخبرات السيئة او الظروف الصعبة أو المخدرات أو الأمراض النفسية التي تقود الشخص للهلاوس والتخيلات تجاه الضحية، أو تكون لديه أفكار لا عقلانية تقوده لها، هنالك أسباب مجتمعة و متعددة تدفعه لذلك ، فما يحدث لا يأتي من فراغ . إضافة للتعلم والتقليد والنمذجة ، فعندما يسمع الشخص يوميا بمثل هذه الجرائم تصبح أمرا وطريقا عاديا للبعض للخلاص سريعا من مشكلة تؤرقه ، فيحاول تقليد أي جريمة في أقرب فرصة اذا كانت لديه الأسباب الدافعة متوفرة ، فالجريمة هي طريق الخلاص والراحة الأبدية له من وجهة نظره .
كانوا علماء النفس سابقا يعزون سلوك الجريمة للجينات ، لكن تغيرت التفسيرات لاحقا كما ذكرت أعلاه فأصبحت تدور حول الجينات والبيئة وأسباب أخرى ، في مجتمعنا الأردني يعيش الناس ظروف صعبة من جميع النواحي الإجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية التي تثقل كاهل المواطن وتنعكس على صحته النفسية وتفكيره وصحة عائلته فيتم تفريغ هذه الضغوطات بالضحية التي لا حول لها ولا قوة ،إضافة لتأثير المحتوى السلبي لعالم الانترنت والتطبيقات المليئة بالتناقضات التي تؤثر مسبقا على حياة الجاني والضحية معا .
عادة ما تكون الجريمة مفاجئة للجميع عندما تظهر على السطح ، لكن ما تحت هذه الجريمة تفاصيل كثيرة وتعقيدات يجب العمل على حلها أو أقل تقدير التكيف معها حتى لا تصل لمستوى القتل المتعمد، فالضحية لديها تاريخ حافل من المعاناة لا تستطيع البوح به لأن سبل وطرق الحماية الإجتماعية لا توفر الأمن والحماية لها ، فالضحية في لحظات ما قبل ارتكاب الجريمة تعيش الذعر والرعب داخل كابوس لا ينتهي ، كل ظروف الجريمة تبدو وكأنها غير حقيقية لها ، الشعور بالقلق والخوف لا يوصف في هذه اللحظات، قد تتمنى الضحية أن يتم انقاذها من أي طرف ، وقد تتمنى الموت قبل أن يتم الإعتداء عليها ، وكأن الحياة تتوقف عند هذه اللحظات الغريبة الصادمة ، لكن بالنهاية ليس لها مغيث إلا الموت .
لا تتوقعوا انخفاض مستوى الجريمة في بلدنا ما دام العمل على حماية الضحايا غير فعال ومنحصر فقط بالتنظير بنفس الاستراتيجيات الورقية والالكترونية المتكررة ، لا تتوقعوا انخفاض مستوى الجريمة ما دامت الصحة النفسية مهملة من جميع الجهات ،لا تتوقعوا انخفاض مستوى الجريمة ما دامت ظروف القهر والبطالة والشقاء وانعدام السلام النفسي الداخلي وعدم تكافؤ الفرص وتراكم الديون الشخصية في تزايد.
raniareena@yahoo.com