لا بد أولاً من التأكيد على أن من حق الإدارات أن تعيد هيكلة الشركات تحت ضغط الظروف والتعثر، ما يعني الاستغناء عن الموظفين تحت عناوين متعددة منها فتح باب ما يسمى بمزايا الخروج المبكر الذي يعتمد على منح مكافآت وحوافز مجزية لمن يختار أن يخرج.
ما حدث في هذا الأسلوب هو أن الشركات وجدت نفسها كمن يخلع جلدها فخرج عشرات الكفاءات والخبرات ما أثر على اداء هذه الشركات وتراجعها.
المشكلة أن جيل الخارجين طوعا لم يتسن له أن ينقل خبراته إلى الجيل الذي يليه فحدث الفراغ الإداري الذي بدأنا نلمسه في الشركات.
إدارات الشركات غير معنية بالتقييم فهي تسجل إخراج الموظفين بغض الطرف عن خبراتهم ومدى حاجاتها لهم باعتباره إنجازاً إدارياً.. هل يهم هذه الإدارات مستوى ونتائج اداء الشركات أم أنها معنية بتوفير رواتبهم؟
خسائر الفراغ الإداري باهظة منها سمعة الشركة وخبراتها البشرية التي لا تقدر بثمن وكذلك سوء الاداء الإداري لقلة الخبرة وهو يساوي أموالاً تهدرها هذه الشركات.
بقاء أو خروج الموظفين والعمال في أية شركة يجب أن يعتمد على مصلحة الشركة، وليس لمجرد الخلاص من عدد من الموظفين من أصحاب الرواتب العالية التي استحقوها بعد أن بنوا خبرات ستحتاج إلى عشرات السنين لبناء مثيلاتها.
صحيح أن الشركات التي تتعثر أو تمر بظروف صعبة ليست جمعيات خيرية، وصحيح أن بعض هذه الشركات استجابت لضغوط البطالة وجملت أكثر من طاقتها، لكن الصحيح ايضا أن ذلك كان على حساب الخبرات التي تعتمد عليها أساسا.
الإدارات الحصيفة هي التي لا تستغني عن كوادرها التي تحتاجها لغايات توفير مال يعينها للخروج من أزمة عابرة، وهي حتما ستندم لأنها عندما تعبر إلى بر الأمان ستعود لتبحث عن هذه الخبرات وهي حتما لن تجدها.
على العكس، على الإدارات أن تتمسك بكوادرها القوية والخبيرة في ظل الظروف الصعبة فهذه الكوادر هي التي ستخرجها من هذه الأوقات الصعبة وليس العكس.
محافظة الشركات على أفضل الكفاءات العاملة فيها، تحتاج من إداراتها أن تنظر لما هو أبعد من أرنبة الأنف.
لا يجوز لمثل هذه الإدارات قصيرة النظر أن تضحي بموظفين أنفقت عليهم تدريبا وتأهيلا وعرفوا أساليب العمل والنشاط وامتلكوا الرؤية فهذا يمثل هدراً لاستثمار كبير.
الأوضاع الاقتصادية لا تبرر الاستغناء عن الكفاءات لأن رواتبهم عالية حتى لو كانت تحت عناوين منمقة مثل الحوافز وغيرها وإذا كان التعثر هو السبب فإن ذلك سيزيده بل على العكس المطلوب هو استقالة المدراء الفاشلين.. الذين لم يتمكنوا من إنقاذ الشركات المتعثرة أو على الأقل تنزيل رواتبهم ووقف امتيازاتهم..
(الراي)