إنّها صباحات الشهداء يا حذيفة، حيث أبواب السماء يستفتحها الصاعدون من العسكر كل فجر ، يعرجون إليها وقد أضاءوا أرواحهم بعطر الأمهات ، وحملوا أمنيات آبائهم نحو مدارج الشرف والسؤدد.
يا حذيفة ؛ مَنْ غير بلادنا تستحق التضحية ، وقد تزينت أكتافك بنجمتين نسجتها من تعب الليالي ، وغبار الصحاري ، حتى تلتحق بأفواج فرسان الجيش العربي ، أمنية يحلم بها فتيان بلادنا منذ أن تكّحلت عيون المزيونات بصاحب الشماغ الأحمر وهو عائد من القدس الشريف.
كنتَ تحملُ مظلتك على ظهرك ، تنتظر أن تحمل " جناح المظليين" على صدرك وسام شجاعة وإقدام ، صعدتَ الطائرة ، وشمس آب تولد من بين غيّم الصباح ، والندى على جبينك ، وقلبك مملوء بالحب والإيمان وأمنيات الأهل .. أعرفُ أن أمك لم تنم وهي ترقب الطائرة من بيتك على ربوة في المفرق .. كانت مثل أمّي تلّوح لكل طائرة وقلبها يضج بخوف الأمهات الذي لا ينتهي حتى لو كبر الأطفال وصاروا رجالا ..
صلّيتَ مع زملاءك الفجر قبل الصعود الأخير .. وعددت موارس بلادنا واحدا واحدا ، ومرّت الطيور تسلّم عليك وأنت تقفز بالهواء ، الشجاعة يا حذيفة لم تفارقك والقلب عامر بالإيمان مثل كل العسكر الذين يحملون أرواحهم على أكّفهم .. ولكنه قدر الله أن تكون شهيدا ، تخونك المظلة ولا تخونك الشجاعة .. لم تهبط إلى التراب إنّما صعدت نحو الغيّم عاليا عاليا حتى لامست نجمتيك أبواب السماء ، فللشهداء تفتح أبوابها فقط.
يا حذيفة يا أجمل الفتيان ،نور الشهادة يفيض من وجهك ، رحلت واقفا رمحا ممشوقا ، مُقبلا ليس مدبرا تواجه الموت وجها لوجه مثل فرسان الريح وأساطير الحكايات ، تحلّق عاليا حتى تغيب في الأفق.
سلام عليك يا حذيفة ، وسلام على حزن أمك ولوعة قلبها ، سلام على صبر أبيك ، سلام على أهلك من معان حتى المفرق من أطراف الصحراء حتى الصحراء بكل ما فيها من حب للوطن ومن كبرياء،
سلام على الشهداء أنقى الناس وأكرم من خلق الله ، وسلام ما بعده سلام للشهداء حتى نلاقيهم في جنّة عرضها السموات والأرض عند مليك مقتدر.