اللامركزية مصطلح يتضمن مفاهيم عديدة سياسية وإدارية ومالية ...إلخ؛ وعادة تقوم الدول قبل تطبيق أي من هذه المفاهيم بدراسته وتحليله بعناية بالغة.
في الواقع الأردني، منذ تأسيس الدولة عملت الحكومات السابقة على تطبيق اللامركزية الجغرافية من خلال إنشاء البلديات وتنازلت عن جزء من صلاحياتها خاصة تلك التي تتعلق بالمواطنين بصورة مباشرة وتحويلها إلى المجالس البلدية حسب المبدأ الدستوري في المادة 121 والتي تنص على أن : "الشؤون المحلية تُدار من خلال مجالس بلدية بموجب القانون".
وتسهيلاً على المواطنين عملت على إنشاء فروع للوزارات والمؤسسات المركزية الأخرى في المحافظات والألوية يطلق عليها المديريات مثل مديرية التربية، الأشغال، الأحوال المدنية .....إلخ، ويُطلق على هذا التنظيم اللاتركيز إداري حسب المادة 120 من الدستور.
ومع التطور الديموغرافي وزيادة الأعباء على الحكومة المركزية بدأ التفكير في إنشاء مجالس منتخبة في المحافظات واُطلق على هذا التنظيم اللامركزية. وصدر قانون رقم 29 لسنة 2015، وتم تطبيق هذا القانون وتشكلت مجالس المحافظات.
لم تقدم هذه المجالس أي قيمة مضافة للمجتمع المحلي، ولعدم نجاح هذه التجربة دفعت بالحكومة إلى إصدار قانون جديد للامركزية رقم 22 لسنة 2021 وتم انتخاب مجالس للمحافظات بما فيها العاصمة بموجب هذا القانون.
ومع ذلك لايزال تطبيق اللامركزية يمر بأزمة عميقة لعدة أسباب؛
أولها: الموارد البشرية التي تتشكل فيها مجالس المحافظات والمجالس البلدية لايتوفر في معظمها الخبرة والمعرفة في إدارة الشؤون المحلية وتحقيق التنمية في المجتمع المحلي؛ الأمر الذي كان يتطلب من الحكومة رفد هذه المجالس بمتخصصين في العمل الإداري والاقتصادي والمالي. وتتطلب التنمية المحلية دراسة علمية لكل محافظة وتحديد احتياجاتها من المشاريع خاصة أن معظم المحافظات تعتبر سياحية لوفرة الأماكن التاريخية فيها.
وأما السبب الثاني: قلة الموارد المالية لهذه المجالس بالرغم ماتُخصصه الحكومة من موارد مالية لها والتي تتم بدون دراسة فعلية للاحتياجات لكل محافظة وخاصة عوائد المحروقات وغيرها من الموارد الأخرى الأمر الذي يحد من الأنشطة التنموية لهذه المجالس.
ولتذليل هذه العقبات أمام مجالس المحافظات والقيام بدورها حسب القانون، لابد من توفير سلسلة من البرامج التدريبية لأعضاء هذه المجالس وأن يتم ذلك من خلال إنشاء أكاديمية متخصصة للإدارة المحلية وتدريب كافة العاملين في المجتمع المحلي من قبل كوادر تتوفر لديها المعرفة والخبرة بعيدًا عن المحسوبيات.
إن عملية التدريب ليست ترفًا وإنما حاجة حقيقية لزيادة معارف وخبرات المشاركين في هذه البرامج وأن يتم تقييم مدى فعالية هذه البرامج على الواقع العملي.
الموارد المالية في البلديات الكبرى لابأس بها إذا ماتم إدارتها بصورة علمية وتخصيص هذه الموارد للمشاريع الحقيقية وليس رواتب ومكافآت.
تجربة اللامركزية لا تزال في بدايتها وسوف تحقق النجاح إذا ماتم إدارتها على أسس علمية.