الضوابط القانونية لاستخدام الصورة في الإعلام
د. أشرف الراعي
22-08-2022 12:32 PM
إن من أسوأ ما حدث خلال الأعوام الماضية في عالمنا بشكل عام هو انتشار الهواتف الذكية واستباحة الغير في التصوير.. ولا اتحدث هنا عن تصوير المناسبات والأفراح، لكن "حمى التصوير" إن جاز تسميتها انتقلت إلى المآسي الإنسانية، كتصوير "أب وهو في حالة صدمة" أو "تصوير أم وهي تجلس قبالة غرفة ابنها الذي يعيش على أجهزة التنفس الاصطناعي"، أو "تصوير منزل يحترق" أو "تصوير شاب ينزف نتيجة حادث سير".
قبل الواجب القانوني، لا بد من الإشارة إلى الواجب الاخلاقي هنا؛ فاستخدام الصورة في لحظات الضعف الإنساني "عمل لا أخلاقي" قبل أن يكون عمل "غير قانوني"؛ لا سيما وأن استخدام الصورة قد يبقى مكرساً في ذاكرة هذا الشخص طوال حياته؛ فيجعله يعاني ويتذكر، فيما أنعم الله علينا بنعمة النسيان، وليس هذا فحسب، بل يحتم الواجب الأخلاقي على الأقل أن يقف الإنسان إلى جانب أخيه الإنسان في مأساته ولا يكتفي بالتقاط الصور.
أما من ناحية الواجب القانوني؛ فلا بد من التفرقة بين نوعين من استخدام الكاميرا في نشر وبث المواد الإعلامية؛ وهما الصحفيون بالمعنى القانوني الذين يعملون بالمهنة الصحافية والإعلامية ويعتبرون أعضاء في نقابة الصحفيين الأردنيين، وبالتالي ينطبق عليهم قانون المطبوعات والنشر وقانون نقابة الصحفيين الأردنيين، وهي القوانين ذات العلاقة بالعمل الصحفي وتنطبق على الصحفيين سواء العاملين في وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والتلفزيونات والإذعات والمطبوعات أو هؤلاء العاملين في وسائل الإعلام الإلكترونية مثل المواقع الإلكترونية، والمنصات الإخبارية ويعرفون عن نفسهم بصفة صحفيين وينتسبون إلى نقابة الصحفيين الأردنيين، وبين الأشخاص العاديين الذين يستخدمون الكاميرا لنشر المعلومات على حساباتهم الشخصية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى نص المادة 4 من قانون المطبوعات والنشر التي جاء فيها "تمارس الصحافة مهمتها بحرية في تقديم الأخبار والمعلومات والتعليقات وتسهم في نشر الفكر والثقافة والعلوم في حدود القانون وفي إطار الحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام الحياة الخاصة للآخرين".
وقد أكدت على ذات المعنى الفقرة (أ) من المادة 7 من ذات القانون والتي نصت على أن "آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها ملزمة للصحفي وتشمل احترام الحريات العامة وحفظ حقوقهم وعدم المس بحرمة حياتهم الخاصة"، وهو ما كرسته المادة 38 من القانون أيضاً في الفقرة (د) والتي أكدت على ذات المعنى، لكن كل النصوص التي تناولت هذه الأخلاقيات لم تنص على الصورة بشكل واضح ومحدد.
وعلى الرغم من أن المشرع الأردني لم يحدد – كما هو الحال بالنسبة للعديد من القوانين والتشريعات المقارنة – معنى الصورة، إلا أنه يمكن القول أن استخدام الصورة في المكان العام أثار اتجاهين قضائيين بعد تعريفها وقد أخذ بهما القضاء الأردني من خلال أحكام محكمة التمييز الأردنية، وهما اتجاهين مختلفين بشكل كامل.
1-فتارة اعتبرت المحكمة أن أخذ صورة للمجني عليه حتى في مكان عام بدون إذنه يشكل خرقاً لحرمة حياته الخاصة، وكان ملتقط الصورة حينها صحفياً فطبق عليه إلى جانب نصوص قانون المطبوعات والنشر نص المادة 348 مكرر من قانون العقوبات التي جاء فيها "يعاقب بناءً على شكوى المُتضرر بالحبس مُدة لا تقل عن ستة أشهر وبالغرامة مائتي دينار كل من خرق الحياة الخاصة للآخرين باستراق السمع أو البصر بأي وسيلة كانت بما في ذلك التسجيل الصوتي أو التقاط الصور، أو استخدام المنظار، وتُضاعف العقوبة في حال التكرار".
2-بينما اعتبر في حكم آخر أن تواجد المجني عليه والتقاط صورة له في الشارع العام لا يعد خرقاً لحرمة الحياة الخاصة باعتباره أصبح جزءاً من المكان العام، لكن هذ الحكم تقرر لشخص لم يكن في حالة ضعف أو انكسار أو في حالة إنسانية تحتاج المساعدة والمساندة.
ومن هنا أتفق قانونياً مع وجهة النظر التي تذهب إلى عدم جواز نشر الصورة بالمطلق والتي تتضمن حالة من حالات الضعف الإنساني من دون موافقة صاحبها، الذي له الحق الكامل عليها لدخولها في مفهوم الخصوصية التي عرفها القاضي الأمريكي كولي بقوله أنها "ترك الإنسان وشأنه".
أما فيما يتعلق، بنشر الصور الشخصية على حسابات الأشخاص العاديين، فأعتقد أنه ينطبق عليه نص المادة 348 / مكرر الآنف الذكر من دون أن يشكل ذلك تشدداً – كما هو الحال بالنسبة للصحفيين والإعلاميين – وفي ذلك مسؤولية إضافية على الصحفيين والإعلاميين، الذين يتوجب عليهم أيضاً الالتزام بميثاق الشرف الصحفي؛ حيث تنص المادة 11 منه على أنه "يلتزم الصحفيون باحترام سمعة الأسر والعائلات والافراد وسرية الأمور الخاصة بالمواطنين، وذلك طبقا للمبادئ الدولية وأخلاقيات العمل الصحفي والقوانين المعمول بها في المملكة وفي هذا الاطار يجب مراعاة ما يلـي:
أ- لكل شخص الحق في احترام حياته الشخصية والعائلية والصحيـة ومراسلاته، ويعتبر التشهير بهم أو الاتهام بالباطل أو السب والقدح والقذف ونشر أسرارهم الخاصة والتقاط الصور لهم بأي وسيلة للاشخاص دون موافقة منهم في أماكن خاصة، تعديات مسلكية يحرمها القانون.
ب- عدم الحصول على معلومات أو صور من خلال التخويف أو المضايقة أو الملاحقة، وعلى الصحفيين ألا ينشروا مواد صحفية من مصادر أخرى لا تلتزم بهذه المتطلبات".
وهنا نلاحظ أن الميثاق، اعتبر بوضوح أن الحياة الخاصة تكون في الاماكن الخاصة وليس العامة، وهو ما أختلف معه وأرى أنه يستدعي تعديله ليتوافق مع نصوص القانون.
على أية حال وفي ظل عدم وجود توجه قانوني وقضائي محدد حول نشر الصورة فلا بد من تعديل ميثاق الشرف الصحفي، وهو أمر يفرزه الواقع مع تعديل نصوص قانون المطبوعات والنشر الذي لا يتناول فقط المادة الصحفية بوصفها مادة منفصلة عن الصورة؛ فالصورة بألف كلمة في العلم الصحفي وهي مهمة بقدر الكلمة إن لم تكن أكثر لأنها تعبر بشكل واضح عن واقع الحال، أما بالنسبة لالتقاط الصورة في المكان العام من قبل غير الصحفيين؛ فأرى – كباحث في هذا المجال – أن توجه القضاء الأردني باعتبار أن "أخذ صورة للمجني عليه حتى في مكان عام بدون إذنه يشكل خرقاً لحرمة حياته الخاصة" هو التوجه السليم وبناء عليه يطبق نص المادة 348 / مكرر من قانون العقوبات؛ حيث لم يحدد المشرع الأردني هنا ضرورة أن يكون ذلك في مكان خاص، على النحو الذي أخذ به المشرع المصري، والمشرع الفرنسي (قبل تعديل النص القانوني الخاص بخرق حرمة الحياة الخاصة) والمشرع الإماراتي، وهو توجه حسن للمشرع الأردني في هذا السياق.