في الحديث عن نسب النجاح بامتحان التوجيهي
فيصل تايه
21-08-2022 11:34 AM
من الضرورة بمكان الوقوف بشكل جدي عند نسب النجاح لكافة الفروع في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة، في ضوء مؤشرات رقمية ومعطيات عديدة تبلورت في ضوء النتائج التي كانت نسب النجاح فيها "متوازنة" وتدعو للتفاؤل، فبعض الفروع كانت نسبة النجاح فيها "جيدة"خاصة "الفرع العلمي" والتي بلغت (٧٣.٩%) ، بينما شهدت بعض الفروع الأخرى نسباً متوسطة لا بأس بها، أو كما وصفها البعض بالخجولة "كالفرع الادبي" حيث بلغت نسبة النجاح فيه (٥٣.٩%)، لكننا في هذا القبيل لا يمكن أن ننكر ان من ضمن الأسباب الوجيهة في ذلك هي الاعداد الكبيرة من المسجلين للتقدم للامتحان من طلبة الدراسة الخاصة المنزلية الذين اخفقوا في الامتحان ، ويشكلون نسبة لا بأس بها من إعداد المتقدمين ، لكننا بالمجمل ، وحين نحلل النتائج بصورتها العامة نجد انها لا تحوي على تراكمات في المعدلات المتساوية ، وذلك "مؤشر" يعطي فرصة اكبر إلى قبول إعداد جيدة من الطلبة في الجامعات .
اننا وحين نبحث هذا الموضوع فاننا نطمح الى تحليل نتائج الثانوية العامة من أجل قياس مستوى تحسن نوعية التعليم في مدارسنا ، فثمة مؤشرات أكثر دقة ومهمة ، وهي المتوسطات الحسابية لمعدلات الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة، إضافة الى نسب النجاح في كلا القطاعين ، وهذان المؤشران هما اللذان يحددان المستوى التعليمي الحقيقي للمدارس ، في الوقت الذي تابعنا فيه ارتفاعاً ملحوظاً في نسب النجاح لطلبة الفرع العلمي كما ذكرت اعلاه ، وذلك يعزى الى ان المسار العلمي يعتمد على الفهم والتحليل ، ولطبيعة الطلبة الذين يدخلون الفرع العلمي ، كونهم طلبة متميزين ومن أصحاب المعدلات المرتفعة، إضافة إلى أن المادة العلمية تعتمد على الفهم والاستيعاب بعكس المادة الأدبية التي تعتمد على الذاكرة والحفظ .
يجب أن نعي تماماً أن مدخلات الطلبة في الفرع العلمي تختلف عن مدخلات الطلبة في الفرع الأدبي وباقي الفروع ، حيث ان الطلاب الذين يدخلون الفرع العلمي لديهم أسس فكرية ومنهجية للتعلم ، اضافة الى المثابرة والعقلانية، وهم حريصون على الدراسة وتنظيم أوقاتهم ، كون طبيعة موادهم تفرض عليهم ذلك ، في حين أن بعض الطلبة ممن يدخلون الفرع الأدبي لديهم ثقافة الاستسهال وعدم القدرة على قضاء وقت طويل في الدراسة ، مع وجود عناصر التكنولوجيا ، كما ومن الملاحظ ايضاً ان طلبة التخصصات العلمية أكثر انضباطا وتخطيطا من نظرائهم في الفرع الأدبي الذين يتسمون بعشوائية الدراسة وعدم التخطيط ، وهنا تكمن المعضلة ، لذلك نجد ان وزارة التربية والتعليم تلتفت لهذا الفارق في نسب النجاح وتعمل على معالجته ، من خلال دراسة هذه الحالة بطريقة علمية منطقية للوقوف على أسباب المشكلة، والعمل على معالجتها .
اما ما يتعلق بحصد طلبة المدارس الخاصة المراكز الأولى في نتائج “ التوجيهي”، فانا اعتقد أن ذلك ليس مؤشرا حقيقيا على جودة نوعية التعليم فيها ، فانا اعلم أن الكثير من طلبة المدارس الخاصة والذين حصلوا على معدلات مرتفعة في الثانوية العامة هم بالأساس كانوا من طلبة المدارس الحكومية المتفوقين ، وقد تم استدراجهم لتلك المدرسة للالتحاق بها في المرحلة الثانوية وأصبح "التعب لي والسيط لغيري" ، حيث وللاسف تختزل جهود وزارة التربية ومعلموها خلال فترة تنشئة الطالب لحين وصوله المرحلة الثانوية ، لتنسب تلك الجهود إلى معلم أو مركز أو مدرسة خاصة عند السنة الأخيرة من عمره الدراسي ، فهذا اعتبره قمة في نكران الجميل ، ورغم ذلك ، وإذا أردنا قياس النسب الحقيقية للنجاح ، فهذا يتطلب أن تقوم الوزارة بحساب متوسط معدلات الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة ونسب النجاح كل منها على حدى ، لكن ومهما يكن من امر فلا بد أن لا نقلل من شأن هذا الإنجاز سواء في المدارس الحكومية ام الخاصة.
يجب أن نؤكد كتربويين أن الامتحان لا يستطيع تقييم الكفايات التي اكتسبها الطالب ، والمتمثلة بالمهارات والقيم والمعرفة، وهي الأهم ، كما واننا إذا ما أردنا أن نقيّم جودة التعليم بشكل صحيح ، علينا أن نأخذ نسب النجاح في جميع المواد ، وفي مواد بعينها، ونقارنها مع أعوام سابقة، وهذا أيضا ليس دليلا دقيقا بشكل عام ، لأن امتحان الثانوية العامة امتحان تحصيلي يقيم جودة التعليم التحصيلي في المدارس فقط، ولا يقيم جودة التعليم بجميع مكوناته ، لذلك فمن الضرورة قيام الوزارة بإجراء العديد من الدراسات العلمية للوقوف على أسباب تدني نسب النجاح في بعض المدارس وفي بعض الفرع مقارنة بالفروع الأخرى .
انني وانا اتابع العملية التعليمية منذ سنوات ، بالنظر الى الآليات المنتهجة في توزيع الطلبة عل مختلف صنوف التعليم ، فحسب اعتقادي أن هناك خللاً في آلية تشعيب الطلاب في الصف العاشر إلى مسارات تعليمية في الثانوية العامة، لأن التشعيب يتم بحسب معدل الطالب ، ما يعني مقدرة الطالب على تحصيل المعرفة وليس إبداء المعرفة، فالمعدلات المتدنية تذهب للفرع الأدبي ، والمرتفعة للعلمي ، فلذلك نجد أن نسبة النجاح في العلمي تفوق الأدبي ، كما وبالنظر الى طبيعة المواد في الفرع الأدبي نجد انها مواد زخمة وتحتاج إلى قدرة على الحفظ ، وهذا بتطلب وضع مناهج أدبية بصورة تناسب الطالب، في ظل وجود طلبة لا يحبون القراءة، فلذلك نجد أن أوائل الثانوية في الأدبي أغلبهم من الإناث ، لان لديهن القدرة على الحفظ وقضاء ساعات طويلة في الدراسة .
ولا ننسى ان نتائج الثانوية العامة اظهرت بأن نسب النجاح في المسار الثانوي المهني حيث بلغت ( ٥١.٤%) ، لكن من الملاحظ ان الفرع الصناعي ضمن هذا المسار سجل نسبة منخفضة بلغت (٣٩.٥%) ، وذلك يعود إلى قلة عدد الطلبة المتقدمين لهذا الفرع ، اضافة الى ضعف الإقبال على التعليم المهني بشكل عام ، حيث عكست النتائج مشكلة حقيقية ، وبالتالي يحتاج هذا الوضع الى سياسات مدروسة واكثر فاعلية بايجاد الحلول والخطط الجذرية للخروج من هذا الواقع ، والبحث عن افضل الوسائل لتطوير هذا الفرع ، فالنتائج تشير الى ان كثيرا من طلبة الفروع المهنية، هم من ذوي التحصيل الدراسي المتدني ، والذين بالأساس "اقبلوا" على الفروع المهنية معتقدين انها ستنقلهم إلى الدراسة الجامعية ، وحسب تكهناتهم انها أسهل من الفروع الأكاديمية ، لكن من اختار منهم المسار المهني الجامعي "اصطدم" بالمواد العلمية المشتركة مع الفرع العلمي ، ولم يتمكن من اجتياز الامتحان فيها بنجاح بسب صعوبه المواد العلمية بالنسبه لمستواه التحصيلي ، لكني ادعو الى تغيير سياسة القبول الجامعي ذلك باعتماد معدل الطالب كمدخل للجامعة وليس للتخصص ، اضافة الى التقليل من قبول الطلبة في التخصصات الأكاديمية مع زيادة ضرورية في القبولات في التخصصات المهنية التي يحتاجها سوق العمل.
وأخيراً وان اطلت ، فمن الملاحظ ، أن هنالك تركيزا وجهدا كبيراً يبذل من قبل وزارة التربية والتعليم في الآونة الأخيرة ، متعلق بالمدارس الحكومية ، ذلك لإخراجها من آليات عملها الروتينية ، وصولاً الى الإبداع والتميز ، بالتعاون مع العديد من الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين ، حيث نجد العديد من قصص النجاح يشهد لها في الميدان التربوي للعديد من المدارس ، فرسانها معلمات ومعلمين اشاوس ، ما يساعد على الارتقاء في مستوى التعليم ، إضافة إلى ان الوزارة تحاول إيجاد الحلول المناسبة لبعض المدارس "الأقل حظاً" وانتهاج خطة زمنية في مواجهة التحديات المتعلقة بذلك ، خاصة كافة المعيقات التي ساهمت في وجود فجوة بين أبناء المجتمع ، والناتجة عن ما يسمى "الطبقية" في التعليم ، وهذا ما يدور في عقلية صاحب القرار في وزارة التربية والتعليم وصولا الى المساواة في التعليم ومخرجاته كانعكاسات تعلمية، ومهاراتية وسلوكية.
وللحديث بقية