هذا ليس إنذارا مني، فلست في موقع من يوجه الإنذارات ولا التحذيرات، لكن على الناس ان يتغيروا حتى لا يصلوا الى حافة الهاوية، ويوجهون لحظتها الاتهامات يمنيا ويسارا دون جدوى.
عشرات آلاف الطلبة في الأردن سيختارون تخصصاتهم، وسنرى على الاغلب تكرارا لذات الذهنية اي ربط التخصص بالوظيفة بعد التخرج، ودراسة تخصصات مشبعة، او راكدة، او بلا مستقبل، وكأننا لا نتعلم من اخطاء غيرنا، ولا من الحالة التي نراها في الأردن هذه الأيام.
عقدة الالقاب البائسة تستحكم بنا، فالمهم هو اللقب، هذا دكتور، وذاك مهندس، وثالث صيدلاني، ورابع محامي، وخامس صحفي، فيما الواقع اخطر بكثير من الالقاب.
عشرات آلاف المهندسين بلا عمل، وفي الوقت نفسه عشرات آلاف المهندسين على مقاعد الدراسة الجامعية، وعشرات الآلاف يدرسون الطب في الأردن وخارجه، ومقابلهم آلاف الاطباء العامين بلا تخصص حصري، وبلا عمل، حيث بدأت تظهر بطالة الاطباء ايضا.
أيضا يحذر نقيب الصيادلة د. محمد عبابنة، من تخصص الصيدلة ويقول ان هناك 17 ألف طالب يدرسون الصيدلة، ولا يجد سوى لربعهم وظائف في الأردن، فيما ينصح أحمد الطراونة عضو مجلس نقابة أطباء الأسنان الأردنيين، طلبة التوجيهي بالتريث والتفكير كثيرا قبل دراسة تخصص طب الأسنان، ناصحاً الطلبة الناجحين الاطلاع على الأعداد سواء كانت أعداد الأطباء أو الطلبة الذين على مقاعد الدراسة ومقارنتها بحاجة السوق.
مجلس التعليم العالي يقرر بالمقابل البدء بتنفيذ إطار زمني تدريجي لتخفيض أعداد الطلبة المقبولين في التخصصات الطبية، الطب، طب الأسنان، دكتور صيدلة، صيدلة، وتخفيض القبول في جميع التخصصات الراكدة والمشبعة، وإيقاف القبول في 42 تخصصاً في الجامعات الأردنية الرسمية للعام الجامعي القادم 2022 / 2023 لتجاوز الطاقات الاستيعابية.
كل هذه الانذارات تتدفق عبر الاعلام، ومعها اعداد العاطلين عن العمل، والتي تتجاوز نصف مليون شخص، يزيد عددهم مع نهاية كل فصل جامعي، ونضيف الى التخصصات السابقة، عشرات التخصصات التي يضطر الطلبة لدراستها، واغلبها في الانسانيات، واللغات، وغيرها من تخصصات لا فرص عمل لها، وان توفرت فرواتبها لا تكفي اجرة الطريق وفاتورة الموبايل.
اذا سألت اي طالب لقال لك ان الاهم ان يدرس ما يحب، بمعزل عن مستقبل ما يحب، وهذا كلام يتوجب تصحيحه، لان الواقع بعد التخرج، سيكون محبطا، ولن تنفع لحظتها العواطف.
لقد آن الاوان ان تتغير نظرة الناس الى التعليم، اما عبر الفصل بين التخصص، والوظيفة، واما عبر دمج التعليم الجامعي، بأي مهنة قد يتقنها الجامعي من اجل ان يعمل فيها، واما ان يبحث الناس عن تخصصات ذات جدوى اقتصادية، او اي بدائل ثانية، حماية لمستقبلهم وحياتهم.
حين كنا نرى في الأردن اشقاء عربا يعلمون في مطاعم، وورش البناء، وورش صناعية، وغير ذلك ويخرجون لنا من جيوبهم الخلفية صورة شهاداتهم الجامعية، كنا نستغرب كثيرا، ولا نصدق.
هؤلاء امام ضغط الحاجة فصلوا بين التخصص الجامعي، وفرص العمل في السوق، وقد صرنا مثلهم، مهما قاومنا هذه الحقيقة، خصوصا، ان فرص العمل في دول عربية لم تعد متوفرة، اذ تنافسك عليها جنسيات عربية بأجور اقل من السودان ومصر وسورية، وغيرها، واما المهن الفنية والتقنية يفوز بها الآسيويون، بحرفية اكثر وبرواتب اقل، وهذا يعني ان الافق شبه مسدود.
التعليم مكلف جدا، واغلب الآباء يستدينون من اجل تعليم ابنائهم، لكن الاهم جدوى التخصص، وان نخطط لأنفسنا جيدا، بدلا من ضياع المال والعمر فوق اليأس والاحباط.
أما الالقاب فتسقط اليوم، عند اول يوم بلا عمل في بيت الوالد، رعاه الله.
الغد